Translate


السبت، سبتمبر 04، 2010

من ماضي المقالات - مدونات.. ومدونون!

كنت قد تحدثت في أكثر من مقال سابق عن الثورة الجديدة في عالم الإنترنت، وظهور ما يسمى بالجيل الثاني من الويب. وأوضحت يومها أن من ميزات الجيل الجديد أن الاهتمام قد انتقل من التركيز على الجانب التقني، أو الجانب المعرفي المعمتد على انتقال المعلومة من طرف واحد، إلى بيئة تفاعلية خلاقة، تكون القيمة الأهم فيها هي المشاركة والتواصل وتبادل الخبرات والآراء، بحيث يصبح الرأي البشري والتواصل الإنساني، هما الأكثر أهمية في العالم الرقمي. وأصبحت التطبيقات المختلفة تبنى لتمكن الناس من أن يتواصلوا ويتفاعلوا بأقصى حد ممكن، وتصمم وهي تضع في الحسبان التبشير بقيم العدالة، وحرية الرأي، والمساواة، والديموقراطية.



تصلح المدونات كأفضل مثال على توضيح الفرق بي الجيلين الأول والثاني من الشبكة العنكبوتية العالمية والتي تعرف اختصاراً بالويب. ففي الجيل الأول كان لي مثلاً موقع شخصي، بنيته من الصفر، ووضعت فيه مقالاتي السابقة وكتابات أخرى. وكانت الطريقة الوحيدة للزوار لإبداء رأيهم في موقعي، أو في محتواه، إما عن طريق بضعة سطور يخطونها في دفتر الزوار، أو بإرسال رسالة إلكترونية إلى بريدي الشخصي. بينما حالياً أنا أمتلك مدونة عمرها عامان، لم يكلفني إنشاؤها أكثر من التسجيل في شبكة، بنفس الطريقة التي نشترك بها في بريد الهوتميل مثلاً، مع فارق جوهري وهو أن الزوار باستطاعتهم ليس فقط أن يقرأوا كلماتي، بل وأن يحاوروني فيها، وأستطيع الرد عليهم، أو يستطيعون هم التحاور فيما بينهم، وهكذا فإن حكاية أخرى قد بدأت لم تكن ممكنة في السابق. وككاتبة فقد عنت لي هذه المداخلات الكثير، فقد مكنتني من أن أتفاعل مع جمهور عريض، من الداخل والخارج، بطريقة جماعية ومعلنة، مختلفة عما يتحقق عن طريق الرد على البريد الإلكتروني. وبالمقابل فقد كانت هناك بعض الإزعاجات، التي اضطر حين أقرأها لإزالة تلك الردود، وهذه ضريبة الحرية على كل حال.



عودة للمدونات بشكل عام، هذه الخصائص الفريدة في تبادل الأفكار، وإمكانية وصل مدونات بأخرى، أدت إلى نشوء عالم جديد يتحرك فيه المدونون والمدونات برحابة وحرية، مكونين مجتمعاتهم الخاصة في كل بلد أو منطقة أو تخصص أو ما شابه. فالمدونات والإنترنت عموماً، مكنتا الأشخاص العاديين، الذين لا يحلمون بالكتابة في صحيفة أو مجلة أو دورية مطبوعة، لأي سبب كان، بأن يكون لديهم إعلامهم الخاص، الذي يتواصلون مع الناس من خلاله..وبالمجان. وأصبح لدينا كتّاب مشهورون، قد يكون أحدهم لم ينشر له حرف واحد في أي مطبوعة ورقية! فهل هناك تنافس بين الكاتب الرقمي والكاتب الورقي إن صح التعبير؟ وهل هناك معركة خفية تدور بينهما؟



بالنسبة لي ككاتبة أولاً، وكمتخصصة في مجال تقنية المعلومات ثانياً، وكمدونة ثالثاً، فالجواب هو لا! لأنني أؤمن بأن الجيد جيدٌ وسيفرض نفسه على أي صيغة وفي أي مكان، والرديء رديء على أي صورة عرض. سأقرأ لغازي القصيبي وأحلام مستغانمي ودان براون، ولو لم ينشر لهم حرف واحدٌ على الإنترنت، في حين أن الكثير من كتاب الشبكة لا يستحقون أن أضيع ثانية واحدة في القراءة لهم، والعكس صحيح.



نأتي للقضية التي أثارت هذا الاهتمام المفاجئ بالتدوين محلياً لتطرح سؤالاً هل التدوين مشكلة؟ وهل هناك خطر من أو على المدونيين؟



تناقل الكثيرون منذ بضعة أسابيع خبر إيقاف المدون فؤاد الفرحان الغامدي (32 عاماً)، الملقب بعميد المدونين، وحتى ساعة كتابة هذه السطور فإن كلاً من صحيفتي عرب نيوز ومن ثم صحيفة الوطن، قد تناولتا هذا الخبر أيضاً. وحصل هناك بعض اللغط حول القضية، لعدم وضوح أسباب الإيقاف أولاً، وهل هو بسبب مدونته؟ وأيضاً لعدم خبرة البعض منا في عالم الإنترنت، وعدم فهمهم لفكرة المدونات. التي كما ذكرت سابقاً قامت على أفكار أساسية متعلقة بحرية التعبير والتفكير، في مجتمعات ترسخ هذه القيم. والذي حصل هنا، وفي دول عربية أخرى مثل مصر من إيقاف لبعض المدونين، يطرح إشكالية استيراد المنتج التقني، والسرعة في التكيف معه ومع بقية مخترعات العصر الحديثة، في حين هناك بطء في استيعاب الجزء الفكري والثقافي المرتبط به. وكلنا يعرف مثلاً كيف أسيء استخدام الهاتف المحمول المزود بآلة تصوير وكيف صارت لدينا قضايا تنظر في المحاكم، لم تحصل نظيرتها في فنلندا، الدولة التي أنتجت لنا جوال نوكيا (الباندا).



فالشباب السعوديون والشابات السعوديات، وهم الفئة المهيمنة على علم التدوين في السعودية اليوم، ومعظمهم أعمارهم تتراوح ما بين (18-35)، وخاصة ممن ليس لديهم تجربة في النشر، ولم يفهموا بعد الخطوط الحمراء والصفراء والرمادية، قد أخذوا يتصرفون أو بعضهم في مدوناتهم ويتحدثون بحرية كتلك التي يشاهدونها في المدونات الغربية، خاصة والكثير منهم ممن درس أو يدرس في الخارج. وإن ظلت الأغلبية الساحقة منهم، مترددة إلى حد ما، بحيث فضلت الاستمرار في استخدام الاسم المستعار، وخاصة النساء، وأكاد أكون المدونة الوحيدة ربما التي تكتب باسمها الثلاثي الصريح. ودائماً الاسم المستعار يعطيك حرية لا تعطيها الكتابة بالاسم الصريح، ولكن هذا الأخير، يحملك مسؤولية حتى أمام نفسك، ويجعلك أكثر احتراماً والتزاماً ومصداقية. والحقيقة أنا لا أعتقد بأنه يجدر بنا أن نخشى من أولئك الذين يتحركون تحت الشمس ويضعون أسماءهم وصورهم بجانب كلماتهم، ولا يمكن أبداً مقارنتهم بمن يتخفى في الجحور ويتسمى بأسد قندهار أو ضب الدهناء أو غزال تهامة!



كنت قد زرت مدونة فؤاد قبل بضعة أسابيع من معرفتي باعتقاله، ويومها كان رأيي فيها بأنها مدونة جريئة أكثر مما كنت أتوقع بعض الشيء، ووجدت فيها آراء لا بأس بها، وأخرى أختلف معها بالكلية. وأيضاً لفتت نظري إحدى التدوينات التي يتحدث فيها فؤاد عن كونه حقق الكثير من أحلامه الشخصية، فهو خريج جامعة أمريكية، ويمتلك شركة خاصة متخصصة بتقديم الحلول الإلكترونية، ويملك سيارة فارهة، بيتاً وزوجة وطفلين جميلين، فماذا يريد أكثر؟ يقول فؤاد بأنه يريد أن يشعر بالراحة حين يضع رأسه على الوسادة، فلا يكفي أن تكون أنت مرتاحاً، وأنت تدرك أن هذا ليس حال الجميع. هذا الكلمات بقيت في ذهني، وكتبتها الآن من الذاكرة، جعلتني أدرك بأن هذا الرجل مختلف!



ففي بلادنا الحبيبة لدينا مئات الدرازن من شبابٍ يحسبون أن الله خلقهم ليتطوروا (حسب نظرية دارون) إلى قنابل بشرية، تحرق الأخضر واليابس معها وتنشر الفتن في كل مكان، أو ليكونوا أوصياء لله على الناس دون علم أو بصيرة، وفيها أيضاً مئات الحزم من الشباب الذي لا هم له سوى أن ينتهك حرمات الناس ، وينشر الفساد ويقلل الحياء في مجتمعنا، ولذلك فحين نرى شاباً ينشئ شركة معلوماتية، ويوظف أبناء وطنه، ويحلم بأن تنافس الشركات السعودية المتخصصة في هذا المجال الشركات العالمية، فإنه حتماً سيلفت انتباهنا.



وحين لا تكون هناك تنظيمات إدراية وقانونية واضحة، تشرح لنا ما هي الأنظمة المعمول بها في المملكة والتي خالفها، وتحت أي بند تقع، فهل هي تدخل ضمن قوانين النشر والمطبوعات؟ إذا كانت كذلك فهل هي إذن مسؤولية وزارة الإعلام؟



لقد تسبب إيقاف الفرحان في نشر جو من القلق والخوف بين المدونات وأصحابها، وأصبح البعض يمحو تعليقات الزوار، وآخرون أغلقوا مدوناتهم حتى إشعار آخر، وهي أمورٌ ليست في مصلحة البلد على المدى الطويل، أعني أن يتحاور الشباب في الخفاء بدلاً من نشر أفكارهم في العلن، ناهيك عن السمعة السيئة التي تلحق بالوطن خارجياً.



نعم من حق أي دولة أي تحافظ على أمنها، وأن توقف أي شخص يهدد سلامتها، ونحن جميعاً نضع ثقتنا _ بعد الله_ في الساهرين على أمن بلادنا ووحدتها واستقرارها، وسنكون أول من يشد على يدها حين تعتقل مخرباً متعمداًمن أي نوع، سواء بالفعل أو القول أو التحريض، ولذلك فسؤالنا هو: هل فؤاد الفرحان بالفعل واحدٌ من هؤلاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق