Translate


الثلاثاء، سبتمبر 28، 2010

"الأشياء تتداعى"



حواديت أفريقية تستحق الذكر 
"بدأت في النبش في قريتي، رأيت أناساً مفوهين، هم نفس الناس الذين يفترض أنهم غير قادرين عن التعبير عن أنفسهم، فحسب ما تقدمه الكتب والأفلام الغربية عن الشخصية الأفريقية، فهم قوم بلا لغة، كنت أعرف أنه ثمة شيء، يجري في الخفاء، وهذا ماحفزني للكتابة".
بمناسبة مرور خمسين عاماً علي صدور رواية "الاشياء تتداعي" للكاتب النيجيري الأكثر شهرة بين الكُتاب الأفارقة، تشينوا أتشابي، اجرت صحيفة "ذا كرونيكال هاي إديكوشيان" حواراً معه للحديث عن روايته التي بيع منها أكثر من عشرة ملايين نسخة، وترجمت لخمسين لغة، ودرست بالمدارس والكليات علي مستوي العالم مازالت حتي الآن من الأعمال الروائية المهمة علي مستوي الأدب العالمي، فنجاح رواية" الأشياء تتداعي" ليس له مثيل بين الروايات الإفريقية حتي أن دار النشر التي تتولي نشرها اصدرت طبعة خاصة منها بمناسبة مرور خمسين عاماً علي صدورها.
"الأشياء تتداعى" رواية كلاسيكية خاصة بالأدب النيجري دونها "أتشيبي" ونقل فيها واقع الحياة في أفريقية، وما يعتريها من قلق وعنف وأساطير، وقد اقتبس أتشيبي عنوان هذه الرواية من أحد المقاطع الشعرية من قصيدة "الحضور الثاني" للشاعر الأيرلندي "وليم ياتس" والذي يقول فيه: الأشياء تتداعى المركز لم يعد في استطاعته التماسك والفوضى الشاملة تعم العالم.
تحدث أتشيبي عن أسباب كتابة هذه الرواية بالقول: "إن ذلك الافتنان بنتف المعلومات التي استطعت أن أجمعها عن أسلافي هي ما تطور إلي رغبة في كتابة هذه الرواية، فالتربية الاستعمارية كانت تقول إن مجتمعي ليس فيه ما يستحق الذكر، ورحت أشك في ذلك لأكتشف أن ثمة أشياء جميلة حتى لدى من دعاه المستعمرون بالوثني والهمجي".
ويعتبر الكثيرون أن أتشابي أول من غاص في الروح الإفريقية لينقلها إلي العالم بل ان مجلة "صنداي تايمز" اعتبرته في استطلاع لها عام 1993 واحداً من الصناع الألف للقرن العشرين لأنه أول من دشن للرواية الإفريقية الحديثة.
كما دشنت هذه الرواية بداية اتجاه أدبي جديد عرف بأدب ما بعد الكولونيالية أو أدب ما بعد الاستعمار، حيث تعتبر هذه الرواية هي الرواية الأولى في أدب فترة ما بعد الاستعمار تلتها روايات أخرى وأشعار وأعمال أدبية من مختلف بلدان العالم الثالث المستعمَر، أطلق عليها في جميع جامعات العالم "أدب ما بعد الكولونيالية".

الحواديت هي البداية
في 16 نوفمبر من عام 1930 ولد تشينوا أتشابي لأسرة بسيطة في إقليم إيجبوا جنوب نيجيريا، تشرب تشينوا تراثها الشعبي في سرد السير الشعبية من خلال الحكايا التي راحت تقصها عليه جدته وامه وحتي شقيقاته الأكبر منه مما منح طريقته السردية النكهة الإفريقية لحكي الحواديت. وعندما سنحت الفرصة لتشابي لدخول المدرسة لم تتردد عائلته في ان تلحقه اياها ولقد اظهر لأتشابي نبوغا أهله للحصول علي منحة للدراسة بالجامعة وفي أثناء هذه الفترة بدأت رحلة أتشابي مع الكتابة الروائية.

عنصرية
فلما بدأ الكتابة تبدت له حقيقة المأزق في وضع موروث شعبي متخم بالحكايات والأمثال القديمة في وعاء لغة أجنبية مثل اللغة الإنجليزية كان الأمر كما يصفه أتشابي أقرب إلي الصراع فهو ليست لديه خبرة الكاتب، كل ماكان يعرفه هو أنه لديه قصة يريد كتابتها لكنه نجح في النهاية في تطويع اللغة.
وهكذا تحول أتشابي إلي أيقونة يؤرخ بها في الأدب الإفريقي حتي صارت هناك لفظة "الماقبل أتشابي و"المابعد أتشابي" الأمر الذي يعلق عليه أتشابي الذي ماعاد يحفل بأي احتفالات تخص أعماله الروائية قائلا: "أنا لا أحب هذا، علي الإطلاق، ليس فقط لأنه يتعامل معي علي أني ظاهرة وانقضت بل إنه أيضا يؤثر سلبا علي طبيعة الكاتب الحقيقية".
بدأ أتشيبي حياته الأدبية في عام 1958 ، وهو في الثامنة والعشرين من عمره ، عندما نشر روايته الأولى "الأشياء تتداعى" والتي صدرت عن دار نشر هاينمان. والتي لاقت رواجاً وانتشارا كبيراً وبيع منها أكثر من ثمانية ملايين نسخة وترجمت لغالبية لغات العالم ، كما حظيت بتقدير أدبي رفيع من النقاد ، الأمر الذي وضع أتشيبي في مصاف أدباء أفريقيا الكبار في أول ظهور له على الساحة الأدبية .
والموضوع الأساسي الذي تركز عليه الرواية هو أثر الاستعمار الأوربي والثقافة الغربية على طريقة الحياة في أفريقيا عامة ومجتمع الإيبو في نيجيريا بوجه خاص.

رواية عن الظلم العنصري
تدور أحداث هذه الرواية في قرية "أوموفيا" إحدى قرى مجتمع الإيبو بنيجيريا في أواخر القرن التاسع عشر. وذلك من خلال قصة سقوط أوكونكو الزعيم التقليدي للقرية، ذلك السقوط الذي يرتبط بظهور الرجل الأبيض على الأرض الأفريقية.
فأوكونكو، بطل الرواية، القوي الشجاع الذي يستطيع أن يبني سمعته بنفسه ويحظى باحترام كبار رجال القبيلة وخشية أهل القرية. تدفعه رغبة شديدة تكاد تكون غايته الوحيدة في الحياة وهي الظفر بالسطوة والسلطة والجاه في قريته، وأن يكون أحد كبار رجال القبيلة. وقد اشتهر أكونكو في القرى التسع المجاورة لقريته وما بعدها منذ أن كان فتى في الثامنة عشرة من عمره حينما رفع اسم قريته عالياً من خلال انتصاره على بطل المصارعة الشهير، الملقب بالقط لأن ظهره لم يلمس الأرض أبدا. وقد أقيم لنصره احتفالات دامت سبع ليال لكونه أول من تغلب على القط منذ سبع سنوات، وافتخر شيوخ القرية به وبانتصاراته وشبهوه بالسمكة سريعة الانزلاق.
كما أن أوكونكو كان مزارعاً ناجحاً وله ثلاث زوجات، وأباً لسبعة أطفال وكان يحكم بيته بالشدة. وكانت زوجاته يخفن منه وخاصة أصغرهن، وهن يعشن برعب من مزاجه العصبي، وكذلك أطفاله. حيث كان حاد الطباع وغير قادر على التحكم بغضبه، مما جعل الجميع يهابه.
وربما لم يكن أوكونكو في أعماق قلبه رجلاً قاسياً غير أن حياته المحكومة بالخوف، الخوف من الفشل والضعف، كان أعمق بكثير وأقرب إليه من الخوف المألوف من الشر أو الإله والسحر أو حتى الخوف من الغابة وقوى الطبيعة، كان خوفه داخليا وعميقا، الخوف من أن يكون مشابها لأباه ضعيف الشخصية المتخاذل.

سيدة افريقية
واستطاع أوكونكو أن يحقق النجاح على الصعيد العملي وبناء اسمه رغم صغره في السن حتى بات يتمتع بسمعة طيبة. وقد اكتسب تقدير واحترام كبار القبيلة وذلك بفضل إنجازاته، ولذا فقد رغب بشده في أن يكون أحد كبار رجال القبيلة.
وتدور الأحداث في هذا الإطار إلى أن يقتل أوكونكو أحد أفراد قريته عن طريق الخطأ، وهو ما يستوجب عقوبة النفي في قانون الإيبو. وأثناء فترة نفي أوكونكو، التي تستمر لسبع سنوات، تصل طلائع البعثات التبشيرية البريطانية إلى القرية. وبعد عودته من المنفى يرى أوكونكو أن قريته قد تبدلت تماماً ولم تعد كما كانت، فالمبشرون أقاموا الكنائس وعسكروا داخل القرية ، وتدخل المستعمرون في كل شيء وفرضوا وجودهم.
ويرى أوكونكو أن المستعمرين البريطانيين يمثلون خطراً كبيراً على جماعته ويعلن عن رغبته في قتالهم ، ولكنه يجد نفسه وحيداً فلا أحد في القرية يدعمه ويقف إلى جانبه حتى صديقه أوبيريكا يقول له: "لقد استطاع الرجل الأبيض كسب ود أهل القرية ولم تعد هناك رغبة في قتالهم". إلا أن أوكونكو يرفض التسليم بهذا الواقع الجديد ويقوم بقتل المبعوث الذي أرسلته الإدارة الاستعمارية، فيحكم عليه بالإعدام. ولكن أوكونكو رغم اعترافه بجرمه يرفض الخضوع لقانون المستعمر ويفضل الانتحار، بعد أن يجد أن الأمور قد تغيرت ولم تعد كما كانت، وأنه ليس باستطاعته أن يتماشى مع هذا العالم فيسقط ويتداعى بما يمثله من قيم فكل الأشياء من حوله تنهار وتتداعى.
وأخذ النقاد يتحدثون عن أن المستعمرات بدأت تكتب إلى المركز وتغير وجه الأدب وتعبر عن وجهات نظر السكان الأصليين وقيمهم ودياناتهم وحضاراتهم وتفاصيل حياتهم وهمومهم.

أتشيبي في عيونهم
الكاتب النيجيري شينوا اشيبي
أعمال أتشيبي كما يذكر وول شوينكا ، الأديب النيجيري الشهير والحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1986: " تتكلّم من داخل الشخصية الأفريقية ، بدلاً من أن تصور الإفريقي على أنه شيء غريب وعجيب كما يراه الأبيض".
وتقول عنه نادين جورديمر، أديبة جنوب أفريقيا والحاصلة على جائزة نوبل في الآداب عام 1991 :" له موهبة متألقة وعظيمة ومفعمة بالحماس والثراء".
ويصفه الناقد الأدبي بروس كين في مقدمته للأدب النيجيري، بأنه أول كاتب نيجيري ينجح في ترجمة ونقل الرواية من نمط الفن الأوروبي إلى الأدب الأفريقي.
وتعترف الكاتبة توني موريسون الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب بأنَّ أتشيبي هو "الذي أضرم علاقة الحب بينها وبين الأدب الإفريقي تاركاً أعظم الأثر على بداياتها ككاتبة".
وبالإضافة إلى أعمال أتشيبي الروائية فقد كتب أيضا أعمالاً شعرية وأخرى نقدية ، كما كتب بعض القصص القصيرة وكتب الأطفال بالإضافة إلى العديد من المقالات ، كما قام بتحرير عدد من الكتب الأدبية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق