Translate


الجمعة، سبتمبر 17، 2010

طه حسين والصهيونية.. «الحقيقة الكاملة» في علاقة عميد الأدب العربي باليهود



ربما لا يوجد كاتب في تاريخ مصر المعاصر قد تلقي اتهامات وطعنات في منهجه الفكري ودرجة إيمانه وعمق وطنيته أكثر من عميد الأدب العربي د. طه حسين، فالرجل العلامة والمرجع والحالة الفريدة في القرن الماضي، وصم كثيراً بأنه كافر ملحد متفرنس- نسبة إلي فرنسا- منقطع الصلة عن جذوره الوطنية والدينية، وهي اتهامات لاتزال تلاحقه حتي بعد وفاته قبل أكثر من 37 عاما، وتتوارثها أجيال في دأب ودون وعي أو قراءة- قل تصفحاً حتي- لمنجزات الرجل الأدبية والفكرية.. لكن هل تتخيل أن الاتهامات وصلت إلي حد القول بأن طه حسين كان منحازاً إلي الصهيونية؟!  
لهذا يأتي الكتاب المهم «طه حسين والصهيونية» للكاتب الصحفي والباحث الحقيقي «حلمي النمنم»، ليبحث في جذور الاتهامات بأن طه حسين لم يكتب حرفاً واحداً في حياته عن فلسطين ويفندها مستنداً إلي كتابات طه حسين نفسه التي تؤكد أن الرجل تعرض لظلم بالغ فعلاً فيما يتعلق بموقفه من القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية.
يذكر الكتاب أن طه حسين كتب مقالاً في مجلة «الشرق» في عدد صادر في 28 أكتوبر عام 1933 بعنوان «فلسطين» قائلاً: «لو لم يكن بيننا وبين إخواننا من أهل فلسطين إلا هذا الإخاء العام، لكان من الحق علينا ألا نقف من هذه الأحداث التي ألمت بهم أمس موقف الذين ينظرون ولا يشعرون ويشهدون ولا يتأثرون.. كم تحب أن يشعر إخواننا من أهل فلسطين أننا شركاؤهم فيما يحسون من ألم وحزن»، أما أحداث أمس التي كان يتحدث عنها طه حسين فكانت المظاهرات التي قام بها الفلسطينيون احتجاجاً علي تزايد عدد المهاجرين من اليهود إلي بلادهم بل وإقامة 5 آلاف سائح يهودي في فلسطين بشكل غير شرعي وهي المظاهرات التي قابلتها قوات الاحتلال البريطاني بعنف شديد فاستشهد فيها 12 فلسطينياً واعتقل العشرات منهم.
مدهش ما سبق جداً؛ لأن الروح التي كتب بها طه حسين مقاله السابق، لا تحتاج إلي مزايدة، كما أنها لا تحتاج إلي تفسير.. هل هذا موقف رجل منحاز إلي الصهيونية في وقت لم يكن مشروعها في فلسطين قد تبلور علي الأرض بشكل نهائي وفي عصر كانت فيه المعلومات شحيحة ونادرة؟ ليس هذا فحسب فقد ختم د. طه حسين مقاله هذا قائلاً: «في ذمة الله شهداء فلسطين، وفي ذمة الله صرعي فلسطين، وفي ذمة الله آلام العرب في فلسطين، فليس شيء مهما يكن، وليس ألم مهما يعظم بكثير في سبيل الوطن، وفي سبيل الحرية والعزة والكرامة والاستقلال».

وارد جداً أن يقرأ السطور السابقة واحد من فريق «مكفري طه حسين» ليقول «ومن يضمن لنا أن الرجل يقول الصدق وأنه يكتب مشاعره الحقيقية تجاه الفلسطينيين وليس تزييفاً»، ليكون الرد: وهل يملك المرء أن يحاسب أحداً إلا علي ظاهره وما يخرج منه؟
علي أن كتاب «طه حسين والصهيونية» يرصد أهم ثلاثة مواقف في حياة عميد الأدب العربي جعلت كثيرين يلصقون تهمة محاباة الصهيونية به، الأولي هي إشراف طه حسين علي رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة تقدم به «إسرائيل ولفنسون» عن اليهود في جزيرة العرب خلال الجاهلية وصدر الإسلام عام 1927، والثانية هي إلقائه محاضرة في مدرسة الطائفة اليهودية بشارع النبي دانيال بالإسكندرية عام 1943، وأخيراً ترأسه لتحرير مجلة «الكاتب المصري» التي صدرت لأول مرة عام 1945 وقد كان مؤسسوها من أسرة «هراري»- اليهودية المصرية-.. ويفند النمنم هذه الاتهامات واحدة تلو الأخري.. فرسالة الدكتوراه هذه أشرف عليها اثنان الشيخ عبد الوهاب النجار الأزهري المعمم وطه حسين، وقد قامت لجنة التأليف والترجمة والنشر بنشرها في كتاب، وهي اللجنة التي ضمت علامة مثل «أحمد أمين» فهل كل هؤلاء كانوا منحازين للصهيونية أيضاً؟ دعك من محتوي الرسالة الذي تتحدث عن عظيم استفادة اليهود من الإسلام والمسلمين.
أما محاضرة النبي دانيال، فحضرها وكيل محافظة الإسكندرية وعمداء الكليات بجامعة فاروق- الإسكندرية حاليا- وهي ما يعطيها صبغة علمية أكاديمية، ثم إنها كانت علي أرض مصرية، وحاضروها من اليهود كانوا مصريين أيضا، ومحتواها كان عن دور اليهود في الأدب العربي قديما ومعاصرا، وقد أكد فيها طه حسين أن «فئة قليلة منهم يقصد اليهود- شاركت بدور فيه - يقصد الأدب المصري».
أما مجلة الكاتب المصري، فأصحابها كانوا يهوداً مصريين في زمن كانت مصر تستوعب فيه ناسها دون التفتيش في الديانات، ثم إن عائلة «هراري» هذه مؤسسة المجلة - وكانت ثرية بطبيعة الحالة راسلها حاييم وايزمان «رئيس المنظمة الصهيونية العالمية» عام 1918 ولم يجد منهم أي حماس لمسألة وطن قومي لليهود في فلسطين، دعك من أن مجلة الكاتب المصري تلك اهتمت بإعادة نشر التراث العربي وعلوم القرآن فكيف تكون داعمة للصهيونية؟
كتاب «طه حسين والصهيونية» بحث محكم ومحترم يستحق صاحبه كل التقدير عليه، ويبقي أن يستقبله أصحاب الانطباعات المسبقة والمتوارثة بروح رياضية وعقل يفكر، لعلهم يكفرون عن خطايا ظلم أجدادهم لطه حسين حيا، فينصفونه هم وقد رحل عن الدنيا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق