Translate


الثلاثاء، سبتمبر 21، 2010

إيقاعات أنثوية محرّمة




استيقظت مبكراً على سخونة جسده الملاصق جسدي، تناهى لسمعي صوت المطر المنهمر بالخارج، لم يتوقف عن التساقط منذ ليلة البارحة، ابتسمت، شعرت بسعادة تغمرني من أحداث الأمس، لم أتوقع الإقدام على مثل هذا الفعل. أزحت ذراعه المطوقة خصري برفق، نظرت لقسماته النائمة، حاولت إيقاظه بالعبث في شعر رأسه، الداكنة اللون.  
نظر صوبي من تحت جفني عينيه المثقلتين، ثم أدار وجهه عني، مد ذراعه تجاه حقيبة صغيرة موضوعة على المنضدة بجواره، فتحها، غاص بيده فيها، أخرج حفنة من الدولارات، وضعها بجانبي، عاد للنوم مرة أخرى، شعرت بسخونة تسري في شراييني، إحساس بالخزي والعار يتملكني، كأنني أتعرّى من ملابسي لأول مرة في حياتي. لكزته في خاصرته قائلة بنبرة مضطربة " ما هذا!!" أجابني بصوت ناعس " حقك.خذيه.ودعيني أكمل نومي.." دقات قلبي تلاحقت، أحسست برغبة في التقيؤ، البكاء، الصراخ، الهروب من هذا المكان الذي غدا مقززا. تمنيت لو واتتني الشجاعة لصفعه على وجهه، رميه بأقذع الشتائم، تحاملتُ على نفسي، قذفت بملء يدي رزمة النقود، تبعثرت في أرضية الغرفة، ارتديت ملابسي على عجل، متحاشية النظر صوب الرجل الذي عاد يغطُّ في النوم. صفّقت الباب خلفي بعنف، مرددة بوجع " لست مومساً.لست مومساً".

خرجت مهرولة تجاه المصعد، بهو الفندق يعمه الهدوء، مازال نزلاؤه نياماً، لجمودها، وقفت هنيهة عند بوابة الفندق، لفحتني نسمات الصباح الباردة، لاحظت أن المطر قد توقف عن التساقط، آثرتُ السير على قدميَّ، لأتحرر من كابوس الكآبة الجاثم على صدري، أعشق باريس في هذا الوقت من العام، أشبهها بالمرأة اللعوب التي ترتدي أجمل حليها لتغري القادم إليها، بدا نهر السين منسابا، زاد من تألقه انعكاس ضوء الشمس الذي ما زال يرتدي حلة النوم. من بعيد كانت تتراقص السفن السياحية على جانبي النهر، محدثا التحام قعرها بالماء، نغماً خافتاً كهمس العشاق. تذكرت ليلة الأمس، التقيت به على ظهر أحد هذه السفن، لفتت نظري أناقته، وسامته، فحولته التي كانت تشع في بؤبؤي عينيه، سيطر عليَّ إحساس لحظتها بأني أعرفه من زمن بعيد، نظرات إعجابي شجعته على الجلوس بقربي، لم أحاول الابتعاد، ازددت التصاقاً به، سألني:" قادمة للتنزه، أليس كذلك؟" أومأت برأسي إيجاباً قائلة: " أعشق باريس في فصل الخريف، أراها تحرر من جمودها، وكبريائها العتيق، تصبح امرأة تلقائية في تصرفاتها، تنساق خلف رغباتها بلا تصنّع". قاطعني قائلا بحبال صوتية رخيمة : " ما رأيك في تكملة الليلة معي؟" لم أجبه، تأملته بملء عينيَّ، ابتسمت له ابتسامة ذات مغزى، كانت في أعماقي رغبة لعصيان كل قواعد المحظورات في أعماقي.

لسعة برودة اقتحمت مساحات جسدي، أيقظتني من غيبوبة تأملاتي، أعادتني لحاضري، دمعة حاولت التملّص عبر مقلتيَّ، داريت انفعالات وجهي خلف نظارتي الشمسية، انتابتني حالة من جلد الذات، تذكرت ليلة الأمس.. كيف واتتني الجرأة على إزاحة الستار عن هذا الجسد، لشخص لا يربطني به عقد زواج!! هراء..أعرف كثيرات يخنّ أزواجهنّ، لهنّ علاقات خاصة، يبحثن عن متعهنّ خارج أسوار الزوجية، يرفضن الاعتراف والخضوع لعقد الملكية. تبّاً للرجل، إن أعطته المرأة ازدراها بعد أن تُصيبه التخمة منها، وإن ضنّت عليه اتهمها بالرجعية والتخلف، تُراني امرأة مبتذلة لتفكيري هذا!! منظر النقود يلوح في ذهني، يتملكني الغيظ والحنق، صوت أمي يخترق مسامعي، يحضرني عبر مسافات الزمن " فاطمة أدخلي للبيت. لا تدعي أحداً يرى ساقيك.أصبحت شابة.دلفت لعالم الأنوثة" عندما كنت أسألها: " ماذا تعني كلمة أنوثة!!" كانت تنهرني "مازلت صغيرة. غدا تكبرين وتفهمين". لمحتني يوماً أقف في شرفة المنزل برداء يظهر جيدي وزندي يديَّ، ضربتني ضرباً برحاً، هددتني إن كررت هذا الفعل ستطفأ أعواد الكبريت المشتعلة في جلدي " جسدك هذا لا يجب أن يراه سوى الرجل الذي سترتبطين به في المستقبل"." ما معني الزواج يا أمي؟" تصرخ في وجهي " أنتِ لست مثل أخواتك اللاتي يتقبلن تعليماتي بلا مناقشة" لم تحاول إشباع منهم فضولي، بل أنها دون أن تقصد أثارت بدواخلي زوابع من الرهبة تجاه جسدي، ورسمت في فكري علامات استفهام كبرى.

أول مرة أتلقيت بزوجي كان في حفل مختلط، ذهبت إليه دون علم أهلي، تحفّظت في الحديث معه، توجسي منه طغى على إعجابي به، نجح بيسر في إيقاعي بأساليبه المحترفة، أحببته بعنف، من أول خلوة لنا سلمته نفسي، اخترقت العالم المجهول الذي حذرتني دوماً أمي من الاقتراب منه، تذوقت المحظور بشغف بالغ، استمرت علاقتنا ثلاث سنوات، تقدّم بعدها لخطبتي بعد إلحاح شديد مني، طلقني بعد شهرين من زواجنا، في البداية لم أصدق أن تنتهي قصة حبنا بهذه النهاية المفجعة، شكّه كاد يدمرني، في إحدى مرات شجارنا سألته معاتبة " لماذا تُحيطني بهذا الكم من الشك والريبة؟" أجابني باستخفاف "كيف أثق بامرأة وهبتني جسدها قبل أن أتزوجها!!". هربت من جحيم شكه، قررت نسيان تجربتي الأليمة، وضعت قضبانا قاسية على مشاعري، كنتُ بحاجة إلى هدنة مع ذاتي، حتىَّ كانت هذه الرحلة التي أيقظت حواسي النائمة، أتيت باريس للترويح عن نفسي، عندما التقيتُ بهذا الرجل، لم تردعني وصايا أمي، وتهكمات مطلقي في معاودة تذوّق طعم التجربة من جديد.

الطقس ازداد برودة، قطرات المطر عادت للتساقط كالسيل العارم، التصق ردائي المبلل بجسدي، أخذتُ ارتجف، أسناني تصطك، تذكرت أنني تركت مظلتي بالفندق، لعنت تهوري الذي أوصلني إلى هذا الوضع، تلفّت يمنة ويسرة آملة العثور على سيارة أجرة، توقفت سيارة عابرة بجواري، لاح لي شاب وسيم بداخلها، مد رأسه من النافذة، عرض باسما إيصالي، تجسّدت أمامي أحداث ليلة الأمس الحمراء، مرّت تفاصيلها في فكري، السهرة الماجنة التي امتدت للفجر، صدى فحيح نشوتي التي رويتها بوحشية، عينا الرجل النهمتان اللتان نهشتا مفاتن جسدي طوال ساعات الليل، حفنة الدولارات التي ألقاها بجواري، ألفيتُ نفسي أصيح في صاحب السيارة: " لا أريد الركوب. أغرب عن وجهي أيها الوغد." وتحركت من مكاني لاهثة، وسط ملامحه المشوبة بالدهشة والاستغراب.

من المجموعة القصصية ( نساء عند خط الإستواء)

صدرت الطبعة الأولى 1996م

صدرت الطبعة الثانية 2006م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق