Translate


السبت، سبتمبر 04، 2010

الجامعة الحلم: الأسئلة التي لم يطرحها أحد!



كانت حلماً في ذهني قبل أن أسمع عنها، فقبل حوالي خمس سنوات، وكخريجة جديدة من قسم علوم الحاسبات، تساءلت يومها (في صحفة نقاشات) عن سبب عدم وجود جامعة للعلوم والتكنولوجيا في بلد بإمكانيات بلدنا، في حين أنه حتى العراق (المحاصر) لديه جامعة من هذا النوع.

وزاد إدراكي لحاجتنا إليها حين عدت بعد عام للوطن، أحمل شهادة ماجستير في تخصصي ذاته من جامعة بريطانية بتفوقٍ، فلم أجد وظيفة أكاديمية تمتص حماسي للبحث العلمي، بل لم أجد أي وظيفة ملائمة، خاصة لجهة كوني امراة في تخصص يسيطر عليه الذكور، وبالتالي فلم يكن لي حق حتى الحلم بأن أعمل في المدن الصناعية كينبع والجبيل، أو في شركة سابك أو الاتصالات أو غيرها، فعدت مرة أخرى لبريطانيا بعد إنضمامي للبعثة. والبعثات يومها إمتياز من نوع خاص، تشترط إن لم تكن مبتعثاً من جهة بعينها، أن تدرس على حسابك الخاص ابتداء، وتحرز درجات عالية، في تخصص علمي، قبل أن يتم إلحاقك بها. 

ولذلك حين قرأت عن إنشاء مدينة الملك عبدالله على ساحلنا الغربي، تحمست كثيراً، وبدأت أتابع أخبارها بشغف، وكان أكثر ما استوقفني فيها: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، فهكذا إذن يوشك الحلم أن يصبح حقيقة لجيلنا والأجيال القادمة.

سأبدأ بالحديث عن الجانب الأهم، وهي فلسفة هذه الجامعة، والتي تبدو بالفعل متميزة لجهة كونها جامعة للدراسات العليا، وليست مقتصرة على السعوديين فقط، وأنها تعمل على استقطاب الأفضل بغض النظر عن أي شيء آخر. ولكن كل هذه الأهداف الطموحة تطرح علينا بعض الأسئلة، التي لا بد أن يتطوع أحدٌ لذكرها، فينغص الفرحة، ويلعب مضطراً دور محامي الشيطان كما يقول المثل الأجنبي.

فابتداء أريد أن أستفسر بشكل أكبر عن الآلية التي سيتم بواسطتها ضمان استقطاب الطلبة إلى بلدٍ مثل بلدنا، صورته للاسف ليست مشرقة في أعين العالم، لأسباب لا مجال لذكرها هنا.

فالجامعة توفر منحاً دراسية مغرية للطلبة الذين هم حالياً في مرحلة البكالوريوس، تفوق بكثير تلك المقدمة للطلبة السعوديين ذاتهم في الداخل أو الخارج. فما الذي يمنع أن يستفيد طالب أجنبي في مرحلة البكالوريوس من هذه البعثة، ومن ثم بعد تخرجه لا ينفذ الشرط الذي يقتضي أن يعود لدراسة الماجستير في جامعتنا؟ نستطيع بأكثر من طريقة أن نجبر محمد من مكة، أو ناصر من الرياض، على الإلتزام بهكذا عقود، لكن كيف نستطيع أن نلزم جوني من كاليفورينا، أو سونغ لي من بكين، على أن يعودوا للدراسة هنا؟

الأمر الثاني يتعلق بقضية جوهرية، وهي قضية الثقافة، التي لا يمكن فصلها عن البحث العلمي والحياة الأكاديمية في هكذا قضية. فهؤلاء الطلبة الأجانب قادمون من دول بعضها ديمقراطية، ولها تاريخ حافل في النشاطات الطلابية والفكرية والثقافية، وهو أمر جديدٌ علينا، نحن الذين ليس لدينا اتحادات طلابية بالأساس. وهؤلاء لديهم احتياجات مختلفة، فهل سنوفر لهم دور عبادة مثلاً؟ هل سنسمح لهم بإنشاء جمعيات وروابط طلابية؟ مثل رابطة الطلبة الديمقراطيين؟ أو جمعية الشبان المسيحيين؟ تماماً كما أن الطلبة السعوديين والمسلمين لديهم هكذا جمعيات في الغرب، وما هي النشاطات أو المتع التي سنسمح لهم بها؟ لاحظوا أنا لا أؤيد أو أعارض.. أنا أسأل فقط!

قضية ثالثة: المرأة (أم القضايا في السعودية)، كيف سيكون وضعها في هذه الجامعة؟ هل هي جامعة مختلطة؟ هناك غموض في هذه المسأله، ولكن حسبما ما فهمته فإنها لن تكون كذلك، حسناً فكيف سيكون الإتصال بين القسمين النسائي والرجالي سواء بالنسبة للطلبة أو الأكاديميين والعلماء؟ ثم كيف سيتم تنظيم علاقات الطالبات والطلاب من المواطنين والمواطنات والأجانب ببعضهم داخل الحرم الجامعي وخارجه؟

وبخصوص الأبحاث ذاتها، ماهو سقف الحرية العلمية؟ كيف سنتعامل مع نظرية امتنعت جامعاتنا طويلاً عن تدريسها، مع أنها حجر الزاوية في معظم الأبحاث العلمية والطبية والحيوية في العالم الغربي مثل نظرية النشوء والارتقاء لدارون؟

هذه فقط أربعة استفسارات من أخرى عديدة دارت في ذهني، وهي كافية لتكشف بأن القضية أكبر بكثير مما يمكن للبعض أن يتخيل. إن بناء المباني الإسمنتية، على عظمتها، تظل المهمة الأسهل في هذا المشروع الطموح، وسيظل الجانب الثقافي والإجتماعي هو الأصعب.

فنحن لا نريد أن ننشيء مؤسسة علمية وبحثية بقيم مستوردة، لم تأخذ في الحسبان حساسية الزمان والمكان، فينظر إليها أصحاب الأرض على أنها ورم سرطاني يغري باقتلاعه، فأسلوب الجزر الإصطناعية أو "الغيتوهات" على الطريقة التي اتبعناها في المجمعات السكنية (الكمبونادز) حتى الآن، غير مجدية هنا، خاصة ونحن رأينا قبل بضع سنوات فقط كيف كانت هذه الأماكن، أول وأسهل الأهداف ليد الإرهاب الغاشمة، التي لم يصعب عليها تبرير هكذا أعمال.

فنوعية القادمين هذه المرة ليسوا مهندسي نفط وخبراء متقدمين بالعمر، بعقود محددة، أتوا لهدف محدد وهو المال، وسيعودون من حيث أتوا، بل علماء وأكاديميون محترمون أو شبان وشابات صغار، يريد معظمهم أن يستكشف العالم، وأن يترك بصمته على الزمان والمكان.

لا أريد أن أفسد فرحة الجميع بالجامعة الحلم، لكن هذا هو الواقع بعيداً عن البهرجة الإعلامية، وهذا ما يحصل حين لا يسير تطور الحجر والبشر على مستوى واحد في مكان واحد. ففي نفس العام الذي تم فيه الإعلان عن هذه الجامعة، كان هناك قاضٍ يحكم بالتفرقة بين زوج وزوجته ويشتت أطفالهما، لعدم كفاءة النسب! ترى كيف يمكن شرح هذه القضية لصديقنا بول من جنوب أفريقيا الخارج للتو من نظام الفصل العنصري البغيضٍ (الأبر تايد)؟!

لفترة طويلة اتبعت بلادنا نهجاً يقوم على محاولة إرضاء كافة الأطراف، وحفظ التوازنات هنا وهناك، فسمحت للبلاد أو تتطور بهدوء، ولكنها في الوقت نفسها سمحت للقوى الرجعية بأن تنمو وتتمدد، وهذه الطريقة ربما لا تكون ملائمة لعصرنا.

فقبل أن نخطط لهكذا مشاريع عملاقة، أو بالتوازي معها، فلا بد من القيام بثورة ثقافية تمهد لها، وتنظيم انقلاب على القيم الرجعية والتي ليس لها أساس لا في ديننا، وإنما مرجعها التعصب الأعمى، وبقايا من عصر الجاهلية. كما ينبغي أن يكون واضحاً لنا ولضيوفنا ما هي خطوطنا الحمراء، التي لا جدال فيها، اقتنع بها العالم أم أبى.

لقد بدأنا اليوم بإنشاء هذه الجامعة طريقاً شاقاً ولا بد لنا أن نكمله، ومادمنا في البدايات، فعلينا أن نجلس مع أنفسنا وشركائنا، جلسة هادئة وصريحة، ونحاول أن نجيب على التساؤلات المطروحة، ونجد حلولاً للمشكلات قبل أن تقع، ونعمل على تحقيق التوازن المرضي بين قيمنا الإسلامية وتقاليدنا الوطنية، وبين قيم العولمة والعالم الحر واقتصاد السوق، وبيئة الحرية العلمية.

إن هناك المئات من أبناء الوطن وبناته ممن أتيحت لهم الفرصة ليستوعبوا فعلاً (وتحت كلمة يستوعبوا ثلاثة خطوط) بيئتهم والبيئات الأخرى، وهؤلاء قادرون بالتعاون مع نظرائهم من الأجانب من إرساء دعائم هذه الجامعة. فهذه الجامعة لنا ولبلدنا وللعالم، ونحن نريدها من أعماق قلوبنا أن تنجح.

والخبرة المحلية وإن كانت أقل من غيرها مستوى في البداية، مطلوبة بشدة، لتضمن إرساء دعائم بناء قوي..يثبت..يتطور ويستمر..كشجرة أصلها ثابثٌ وفرعها في السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق