Translate


الأربعاء، سبتمبر 15، 2010

قراءة في الكتاب : ” عرب و عثمانيون , رؤى مغايرة “



عرض: شمس الدين إبراهيم

عنوان الكتاب : ” عرب و عثمانيون , رؤى مغايرة “

تأليف : الدكتور محمد عفيفي

يبدأ الكاتب الكتاب بطرح تساؤل مهم : هل مجيء العثمانيون يسمي فتحاً أم غزواً؟
قد يبدو السؤال ساذجاً أو بسيطاً أو من قبيل التنظير المحض ولكن الإجابة عنه تخفي أيديولوجيات ومقاصد أخري.
يري الكاتب أن التاريخ العثماني قد تم تناوله من منطلق إما شياطين (دعاة اللبرالية القومية) أو أنهم ملائكة (الإسلاميون الذين يصورون منها أندلساً أخري ويبكون علي أطلال الخلافة) ويرى أن كلا الفريقين لم يوفق في عرض الأمانة العلمية فمن الظلم اختزال تاريخ قرابة ستة قرون في كلمة واحدة وموقف واحد ، فهناك ألوان أخري في قوس قزح وليس الأبيض الناصع أو الأسود الحالك . 

يري الكاتب أن دعاة الليبرالية القومية (عبد الرحمن الرافعي– حسن فوزي– لويس عوض) يروجون للفكر الإستشراقي الذي هو دعاوى أن التاريخ بدأ في المنطقة عندما دخل الرجل الأبيض إلى الشرق بغرض تحديثه وأنه كان من قبل غارقاً في العصور الوسطي الإسلامية المظلمة الممثلة في الدولة العثمانية ، ويكرس هذا الفكر فكرة المستبد العادل أو الرجل العظيم, ويقول أن علة فكرهم هو النقل عن المستشرقين الذين كتبوا التاريخ بأيديهم وهو غير موضوعي ومكتوب بلغة مراوغة تبرر أهدافهم في غزو الشرق ومجيء الحملة الفرنسية فكما يقول يبرر فكرة إعلان الملكية في مصر وتأكيد مشروعيتها تاريخياً وإحياء التاريخ الفرعوني.
و ترسيخ “أسطورة” استقلال مصر .. وكانت أسطورة لأنها كانت قبلة الجميع ولم تفقد تفردها بعد أن أصبحت ولاية عثمانية كما أن الحكم آن ذاك كان مستساغاً للمسلمين ونعرة القومية هذه لم تظهر إلا بصنيعة الاحتلال لأنها تغذي وتدعم الفرقة والتي هي ضد مبادئ الاسلام (لا فرق لعربيٍ علي أعجميٍ إلا بالتقوى).
كما أنه يوضح عن هؤلاء القوميين اللبراليين صبغة انتقائية, فعلي سبيل المثال اخذ عبد الرحمن الرافعي عن ابن إياس حادثة استجلاب جميع رؤساء الصنائع من مصر إلى الأستانة وأن هذا كان بداية خراب الصناعات في مصر, ولم يستكمل مع ابن إياس كلامه في أن السلطان أمر بعدما أقام صناعة في استانبول أمرهم بالعودة إلى القاهرة مرة أخرى ولكنهم ماطلوا وفضلا الإقامة فيها فأرغمهم السلطان علي العودة إلى القاهرة! وكذالك اقتطع الرافعي هذه الرواية من تاريخ ابن إياس دون الحديث عن بقيتها لتأكيد وجه نظرة حول اضمحلال الصناعات والفنون في مصر عبر ثلاثة قرون التي تمثلها الفترة العثمانية بها.
و يري الكاتب أن المد الإسلامي والبحث عن الفردوس المفقود تمثل في كتاب الدكتور عبد العزيز الشناوي بعنوان الدولة العثمانية دولة الاسلام المفتري عليها.
وعلي الرغم من التحفظ علي إيديولوجية الكتاب إلا أن الدكتور عفيفي يري أن أهمية الكتاب العلمية عالية للغاية, لأنه يفند حجج المستشرقين حول صورة الاسلام ويهاجم أيضا القوميين اللبراليين (… نسوا أن الدولة العثمانية واجهت أخطارا جسيمة كانت تهدد العالم الإسلامي مثل وصول البرتغاليين إلى البحار الشرقية وتسللهم إلى شرقي الجزيرة العربية ومحاولاتهم المتكررة دخول البحر الأحمر من منفذه الجنوبي) وهكذا يأتي كتاب الشناوي بعد هزيمة يونيو وتصاعد حركة الإسلام السياسي كمحاولة لتجاوز الانكسار بحكايات عن الزمن الجميل واختراع أندلس جديدة و مع هذا لا يقلل الكاتب من أهمية هذا الكتاب.

تيار الإسلاميون الجدد
و هو يضم مجموعة من المثقفين معظمهم مسلمون وقليل منهم مسيحيون ويؤمنون بمشروع حضاري إسلامي وأنه البديل عن الثقافة الغربية الغازية ويتميز هذا التيار بالحوار الهادئ مع الغرب وإن لم يختلف في نقد أطروحات المستشرقين وأثرهم المضلل في التاريخ العثماني مثل كتاب الباحث العراقي قيس الجواد العزاوي (الدولة العثمانية, قراءة جديدة لعوامل الانحطاط) وهذا التيار الفكري عامة لا يرفض فكرة التحديث ولكنه يرفض فكرة التغريب ولذلك يرفض فكرة الاستعمار من أجل التحديث (التغريب في حقيقة الأمر) ويعتبر هذا التيار امتداد لمدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في الإصلاح الإسلامي, كما أنه لا يتجاهل العواقب الوخيمة التي نتجت من الحروب التي دارت بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنية.


تطور الدراسات حول الولايات العثمانية العربية الآن
حدث ذلك مع وجود العثمانيون الجدد كما يسميهم المؤلف, وواكب ذلك تشكيل لجنة دولية للتاريخ الاقتصادي الاجتماعي للإمبراطورية العثمانية وعقدت سبعة مؤتمرات, ومن الملاحظات المهمة حول تطور دراسات التاريخ الاقتصادي للولايات العربية العثمانية الوجود والنشاط المتزايد للباحثين الإسرائيليين فشارك في المؤتمر 150 باحث, 10 منهم من إسرائيل و 15 من الدول العربية مجتمعة وعلي أية حال لا تخلو كتابات أشهر باحث عن تاريخ مصر في العصر العثماني “مايكل ونتر” من وجه نظر صهيونية عند الحديث عن تاريخ الأقليات في مصر في العصر العثماني وينفي هذا المؤلف لأن الدولة العثمانية كانت الملجئ والملاذ لمسلمي الأندلس أثر سقوط الأندلس بل وآوت بعض اليهود الذين كانوا يعانوا من الاضطهاد العنصري بعد سقوط الأندلس (يدعون السفارديم و كانوا بالمناسبة أكثر رقيا آن ذاك من اليهود الغربيين) ويذكر بعض المؤرخون التسامح الذي كان يعيش في كنفه اليهود في الدولة الإسلامية في مقابل التعسف الكاثوليكي تجاههم أيضا كما أن التنقل بين الولايات كان متاحاً وأن النظام العثماني لم يكن ليتدخل في الشؤون الداخلية للأقاليم.
وبعد ظهور حجج التركات آن ذاك, كانت مادة خصبة للتعرف أكثر على أوضاع الأقاليم والولايات, فكان دور الأوقاف في دعم الأنشطة وتمويلها ذاتياً , وكان أصحاب الحرفة الواحدة يتجمعون في نظام أشبه بنظام النقابات يسمي الطوائف وكانوا ينتخبون كبيرة الطائفة وكانت لكل طائفة مجموعة من القوانين ومعايير الجودة وأسعارها ومن يخالف آداب المهنة يحق لشيخ الطائفة أن يستصدر قرار من القاضي بمنعه من ممارستها … كما أنّ وضع النساء لم يكن معروفاً ولكن دلت الحجج على أنّ النساء كن يمارسن حق الخلع وكان متعارف عليه, كما أنّ النساء كن يضفن بعض الشروط في عقد الزواج وكانت بعض النساء يوقفن أراضٍ لخدمة العلم وبناء المدارس والمساجد مثل رابعة أخت حاكم الموصل ويذكر أنه حتى في أقاصي ليبيا كانت هناك أسواق في الجنوب تسمي أسواق النساء لأنّ كل البائعات فيها من النساء.
ويبرهن الكاتب بأمثلة ذكرها عن مؤرخين ورحالة عرب ذكروا مصر بمكانة متميزة حتى بعد دخولها تحت لواء الدولة العثمانية, فالجميع ينشد الشعر أنها دولة لا مثيل لها من عدد مآذنها وجامعها الأزهر الذي لا يضاهيه جامع بعد المساجد الثلاث كما أنّ النيل يخلب لب كل من يمر عليه وكانت تعتبر من أكبر المدن العربية فمسيرتها شهر كما يقولون كما أنّ الدولة العثمانية كانت تنظم قافلتين للحج إحداها قافلة الشام والأخرى القافلة المصرية.
وما يقال عن تدهور حال المدن العربية أبّان الحكم العثماني فهو غير دقيق, لأن المدن العربية كانت لازالت تعاني من آثار الخراب, فالمدن العراقية كانت لازالت متأثرة بكارثة الغارات المغولية, ودمشق والشام إثر هجمات تيمورلنك وسكان القاهرة كانت حالة الدولة المملوكية قد وصلت لتدهور لدرجة انعدام الرعاية الصحية وانتشار الأوبئة والطاعون بها، وبعد ذلك عند رصد حركة النمو السكاني نجد زيادة في سكان أغلب المدن, نتيجة للنمو الطبيعي أو نتيجة للهجرات الداخلية أو من نزوح الفارين الأندلسيين.


التسامح الديني
أما عن الأقليات غير المسلمة فكانت الإدارة المركزية في إستانبول تترك حرية السياسة الداخلية للإقليم ولا تتدخل بشكل مباشر في شؤون الرعايا وتكتفي بحق السيادة والدفاع وفرض الضرائب وتطبيق الشرع, وتنظم إدارة غير المسلمين بما يعرف بنظام الملل, فلا تدخل في أمور العبادات والأحوال الشخصية والاعتراف الرسمي بالرؤساء الدينيين لهؤلاء الطوائف وكذالك استفادت الطوائف الغير مسلمة من التسامح الديني ففي القاهرة عندما وصلت الحملة الفرنسية كان سكانها 263 ألف كان بها 10 آلاف قبطي و 3 آلاف يهود و 5 آلاف مسيحي من سوريا و 5 آلاف يوناني و ألفي أرمني.
ومن ناحية أخرى وجّه البعض نقد سلبي لنظام الملل حيث استفاد التدخل الأجنبي من استمالة ولاء بعض الملل له فضلا عن التوسع في نظام الامتيازات الأجنبية ليشمل الحماية الأوروبية للملل, مما حدا بالبعض ليقول بأنّ نظام الملل والوصاية الأجنبية كان من أهم أسباب الانهيار العثماني لكن هذا لا ينفي بقاء نظام الملل دليل علي التسامح الديني واحترام الحريات الشخصية في زمن كانت أوروبا الغربية تضطهد فيه الأغيار.

انتهي الكتاب الذي أضاف كثيراً من المعلومات عن تلك الحقبة التي لم تأخذ حقها من الدراسة المتأنية, وتناولها الكاتب هنا بشكل هادئ وبناء … كما أنني أشم أثر وتأثر الكاتب بتبني النماذج المركبة – كما في تلخيص كتاب المسيري السابق- , ومحاولة تحري الصدق والتجريد وعدم الاختزال ونقل بعض المصطلحات ذات التحيزات الغربية مثل الرجل الأبيض والعنوان المركب للكتاب نفسه, كما لفت نظري أيضا النشاط الصهيوني الملحوظ في ريادة كل الميادين البحثية الجديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق