Translate


الخميس، سبتمبر 16، 2010

رحيل أركون الأكثر جدلاً في الفكر العربي المعاصر



العرب اليوم - إسلام سمحان



ترك محمد أركون مكتبة ثرية بمؤلفاته المثيرة للجدل, وبوفاته فجر أمس الأربعاء بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان يكون قد ناهز الثانية والثمانين عاماً قضى جلّها في تأسيس مشروعه الإسلامي الحداثوي.

دافع أركون عن ضرورة عدم الفصل بين الحضارات, شرقية وغربية, واحتكار الإسقاطات على إحداهما دون الأخرى, بل إمكانية فهم الحضارات دون النظر إليها على أنها شكل غريب عن الأخرى. لذلك كان دائماً ينادي بوحدة الإنسان وبأنسنة المعرفة بعيدا عن كافة التعصبات المذهبية والعرقية والأيديولوجية, وهو من أوائل المفكرين الذين نادوا بمشروع المتوسط ونظّروا له.

وسعى أركون المفكر والباحث والدارس عبر حياته الفكرية والعلمية التي امتدت أربعين عاماً إلى تجذير مفهوم الأنسنة (هيومانيزم) في الفضاءين العربي والإسلامي, وظل مهتماً بهذا المشروع حتى آخر أيامه, واشتهر أركون بتوجهه ما بعد الحداثي في نقد العقل الإسلامي وفكر الحداثة.

وأركون الذي ولد عام 1928 في بلدة تاوريرت في تيزي وزو بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر, وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث درس دراسته الابتدائية بها وألف جميع كتبه باللغة الفرنسية, إلا أنها حظيت على استمرار بالاهتمام الكبير في العالم العربي, خاصة في الأوساط الأكاديمية.

ويعتبر كثير من المتابعين العرب, محمد أركون رائداً في مجاله, على الأقل في العالم العربي, حيث أخضع النصوص الدينية, والتراث الديني للتحليل والدراسة وفق احدث المناهج العلمية. وكان أركون يعتبر أن منهجه هذا ليس جديداً تماماً على الفكر الإسلامي, بل يرى أنه يسير على خطى مفكري المعتزلة, الذين أخضعوا, حسب أركون, النصوص الدينية للمساءلة العقلية, قبل أكثر من ألف عام.

وربما نتيجة بعض الترجمات المتوسطة والرديئة ما زال محمد أركون كأغلب المفكرين التنويريين العرب يُفهم بالخطأ وتأول كتبه تأويلا خاطئا وبعيدا عن مقصدها الأصلي, ولعله من خلال الاتهامات والهجومات الكثيرة التي تعرض لها مثل أقرانه من المفكرين الأحرار يثبت أننا أمام عالم عربي يتنكر إلى مبدعيه ومفكريه التنويريين.

حصل أركون على شهادة الدكتوراه في الآداب, كما درّس بجامعات عديدة في أوربا وأمريكا والمغرب وهو عضو اللجنة الوطنية لعلوم الحياة والصحة بفرنسا, وعدة لجان أخرى.

واشتهر الباحث الفرانكوفوني باستخدام مناهج علمية عدة بينها الانثروبولوجيا التاريخية واللسانيات وأدوات قراءة التاريخ في دراسة الأديان والنصوص الدينية, فعدّ واحداً من أبرز الباحثين في الدراسات الإسلامية المعاصرة حيث يعتبر ناقداً للنظريات المتأصلة في هذا الميدان.

وأثناء عمله لمدة سنة أستاذا زائراً في جامعة أمستردام خاض أثناءها حواراً طويلاً وموسعاً مع السياسي الليبرالي الهولندي البارز فريتس بولكستاين حول الإسلام وعلاقته بالديمقراطية والعقلانية, وحول العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي. وقد صدرت تلك الحوارات باللغة العربية في كتاب حمل عنوان الإسلام, أوروبا والغرب, واعتبره كثيرون في هولندا, واحدا من المصادر الأكاديمية الأساسية, التي تضع قاعدة أكاديمية للجدل الدائر حول الإسلام في الفضاء الأوربي.

وكان آخر ما صدر له باللغة العربية هذا العام كتابان هما: الأنسنة والإسلام, مدخل تاريخي نقدي و نحو نقد العقل الإسلامي. ومن أهم مؤلفاته: ملامح الفكر الإسلامي الكلاسيكي, دراسات الفكر الإسلامي, الإسلام أمس وغدا, من اجل نقد للعقل الإسلامي, الإسلام أصالة وممارسة, الفكر الإسلامي: قراءة علمية- الإسلام: الأخلاق والسياسة- الفكر الإسلامي: نقد وإجتهاد- العلمنة والدين: الإسلام, المسيحية, الغرب- من الإجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي- من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر- الإسلامي المعاصر?- الإسلام أوروبا الغرب, رهانات المعنى وإرادات الهيمنة- نزعة الأنسنة في الفكر العربي- قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم?- الفكر الأصولي.

حصل الراحل على جوائز عديدة نذكر منها جائزة ضابط لواء الشرف وجائزة بالمز الأكاديمية وجائزة ليفي ديلا فيدا لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا ودكتوراه شرف من جامعة إكسيتر عام 2002 وجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003 .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق