Translate


الأربعاء، سبتمبر 15، 2010

منهجية قراءة الكتب



الشيخ صالح بن محمد الأسمري
فإن الكتب هي ثاني طرق التعلم ، ولذا فقد عني بها العلماء قديماً وحديثاً ، ونظراً لتخبط بعضٍ في طرق الاستفادة منها ؛ كان لا بد من بيان أهميتها ، وكيفية الاستفادة منها ، ومعرفة قواعد مهمة لفهم كلام أصحابها .






وسداً لهذه الحاجة ، فقد ألقى فضيلة الشيخ الفقيه صالح بن محمد الأسمري ـ حفظه الله ـ محاضرتين في ذلك :



الأولى : بعنوان (قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟ ) .



الثانية : بعنوان (قواعد فهم كتب العلماء ) .



وقد جمعتا في كتاب بعنوان :(منهجية قراءة الكتب) .


ولأهمية تلكم المحاضرتين أحببنا تلخيصها وتهذيبها في هذه الصفحة المباركة.







قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟







 قراءة الكتب لماذا ؟ :



ـ لا شك أن قراءة الكتب تعود على المتعلم بفائدة عظيمة .



وقد دل على ذلك دلائل كثيرات ،منها مايعود إلى الشرع ، ومنها ما يعود إلى النظر.







 قراءة الكتب كيف؟.



 هناك أمور ثلاثة :



1- أصول موصولة .



2- متممات مكملة .



3- وصايا موجهة .







أولاً : أصول موصلة



قراءة أي كتاب يقوم على ركائز ثلاث لابد منها :



الركيزة الأولى : أن يكون القارئ على معرفة بلغة الكتاب .



الركيزة الثانية : أن يحدد القارئ هدفه من قراءة الكتاب .



والأهداف التي يتوخاها الإنسان عند قراءته لكتاب ما على أنواع غير محصورة فمنها : قراءة تسلية ، قراءة فهم وتدبر لمعرفة مقصود الكتاب ...



الركيزة الثالثة : المعرفة بالطريقة التي تتناسب مع الهدف.



وتختلف الطرائق باختلاف الأهداف ، فمن أراد أن يختصر كتاباً ـ مثلاً ـ فله طريقة معينة ، وهكذا على حسب اختلاف الأهداف .







ثانياً : متممات مكملة



هي محصلة ركائز ثلاث :



الركيزة الأولى : التدرج في القراءة وخطواتها .



فلا بد في البداءة بالقراءة في الكتب الواضحة قبل الغامضة المشكلة .



وها هنا أمران مهمان عند ذكر التدرج :



ـ الأول : أهمية حفظ أصول العلم ، فإن به يحصل ضبط المسائل والفصول.



ـ الثاني : أنه من الآفات أن يكون الإنسان صاحب تناتيف من العلوم ، فينظر في علوم كثيرة ، ولا يبلغ الإمامة في شيء منها.







الركيزة الثانية : القراءة الصحية .



يذكرها أهل الصحة والتطبب ، ومرجعها إلى مراعاة ثلاثة أشياء:



أولها : هيئة القراءة : وينبغي أن يجتمع فيها شرطان :



(1) أن تكون مريحة للعين الباصرة . (2) أن تكون مريحة البدن .



ثانيها: مراعاة الوقت : بأن يكون زمن القراءة فيه أريحية نفس وراحة تامة .



ثالثها: المكان : بأن يكون خالياً من الضجيج والأصوات المزعجة ، أو الصور التي تأخذ النفس وتأسرها .







الركيزة الثالثة : أن يتعرف المرء على جهات الخلل في أي كتاب يقرؤه .



فإن هناك جهات ثمان ، لا يمكن أن يأتي الخلل إلى المكتوب إلا عن طريق واحد منها ، حصرها وعدها عداً الإمام الماوردي - يرحمه الله - كما في " أدب الدنيا والدين " ،وخلاصتها:



1- إسقاط ألفاظ من الكلام .



2- زيادة ألفاظ أثناء الكلام يُشكل بها معرفة الصحيح غير الزائد من معرفة السقيم الزائد فيصير الكل مشكلاً .



3- إسقاط حروف من أثناء الكلمة الواحدة والكلمة نوعان :



- كلمة إذا سقط منها حرف بان عند تلاوتها لترددها أو شهرتها .



- كلمة أخرى إذا سقط منها حرف انقلبت إلى كلمة أخرى تتلى على معنى آخر .



4- زيادة حروف في أثناء الكلمة .



5- وصل الحروف الموصولة ، وفصل الحروف الموصولة .



6- تغيير الحروف عن أشكالها ، وإبدالها بأغيارها .



7- ضعف الخط عن تقويم الحروف على أشكالها الصحيحة ، حتى تصير العين الموصولة كالفاء ـ مثلاً ـ .



8- إغفال النقط والأشكال التي تتميز به الحروف المشتبهة ، وذلك أن الأوائل لم يكونوا ذوي عناية بتنقيط ما كان معجماً من الحروف .







ثالثاً : وصايا موجهة



الوصية الأولى : لابد لطالب العلم أن يكوّن مكتبة في منزله ومقر وجوده ؛لأنها آلة التحصيل.







الوصية الثانية : ألا يقدم على شراء كتاب إلى بعد الاختيار ، بأن يكون معتمداً عند أهل فنه .



والاختيار يختلف باختلاف الناس ، فمنهم العالم القادر على تقويم الكتب ، ومنهم من ليس كذلك ، فهؤلاء يأخذون مبدأ الاستشارة في شراء الكتب .



والاستشارة لها شرط وهو أن توقف المستشار على مبتغاك مع كونك تختار المستشار ، ولها أدب وهو أن تتأدب مع من تستشيره ، فلا تخالفه بعد الاستشارة لهوى نفس لا شيء آخر .



ومن الكتب التي تعين في معرفة أفضل كتب الفن ، ما يسمى



بـ ( الكتب الوصفية ) وهي التي تعنى بتوصيف كتب فنّ معين ، تستقرئ قديمها وحديثها ، ثم تقومه في ميزان النقل والتقويم الحق ، فمثلاً في النحو تجد ـ مثلاً ـ كتاب " نشأة النحو " لطنطاوي .







الوصية الثالثة : ينبغي عند شراء الكتب أن تراعي أمور ثلاثة :



1- أن يعلم أن تكوين مكتبة لطالب علم لا تأتي في عشية وضحاها في حال جملة الناس ، وهناك صنف من الناس قد كساه الله بالثراء فله أن يفعل مكتبة في عشية وضحاها .



2- إذا أراد أن يشتري كتاباً عاجلاً فليقدم نوعين من الكتب :



- الكتب الأصلية في فنها .



- ما يحتاجه من كتب في دراسة أو حلقة علم أو نحو ذلك .



3- عند شراء المرء الكتاب لابد أن تراعى دور النشر التي ثمنها زهيد حتى يضع بقية النقود في كتب أخرى ، وأن يتفقد الكتاب الذي اشتراه وخلوه من العيوب الطباعية ، ثم يتأكد من هو الكتاب المطلوب لا غيره.







الوصية الرابعة : تتعلق بإعارة الكتب .



فينبغي ألا يكون الإنسان بخيل النفس ، فيحبس الكتب عمّن يستعيرها منه ، وهو يريد أن يأخذها لمعرفة وهو مستحق لذلك العطاء وهو واثق به ، وهو أدب رفيع قلّ من تخلّق به .



إلا أن هناك شروطاً ثلاثة عند الإعارة :



1- أن يكون المستعير مستفيداً من الكتاب الذي طلبه ، ولا يكون متفكهاً بالطلب .



2- أن تكون على ثقة من إرجاع الكتاب إليك من قبل المستعير منك .



3- أن تُعَلّم كتابك بعلامة من العلامات حتى لا يذهب عنك ، كإثبات ملكيتك له ، أو وضع ختم لك ونحو ذلك .



وللاستعارة آداب حاصلها أربعة:



1. أن تصون الكتاب إن استعرته من غيرك .



2. الشكر لمن أعارك كتاباً .



3. ألا يطيل المرء بقاء كتاب عنه وقتاً طويلاً .



4. ألا يتصرف بالكتاب الذي استعاره بعد استئذان صاحبه .







آخر الوصايا : تتعلق بآداب متفرقات مع الكتب :



أولاً : صون الكتاب وحفظه من المعايب والمثالب.



ثانياً : مراعاة المكان الذي يوضع فيه الكتاب ونظافته ونزاهته.



ثالثاً : تتعلق بترتيب الكتب وفهرستها عند تكوين خزانة كتبية في بيت أو نحوه ، فينبغي أن يرتبها المرء على حسب مقدار علومها .



رابعاً : كتابة الحواشي والتعليقات وفق آدابها المعتبرة، ومن ذلك :



- أن يكتب التصحيحات لخطأ مطبعي أو نحوه ، على هامش الكتاب على جانبه ويضع بعدها ( صح ) كما هو هدي المحدثين .



- إذا قرأ كتاباً ثم أراد أن يقف ويرجع إليه من وقت لآخر فيكتب عند المكان الذي وقف عنده ( بلغ ) كما هو هدي المحدثين .



- إذا أراد أن يكتب فائدة على كلام مرّ عليه ، أو جملة قرأها في كتاب ، فيكتبها بادئاً بجهتها اليمنى ، بادئاً من الحاشية ، ثم يعلي الكتابة نحو أعلى الصفحة حتى إذا أراد أن يكتب شيئاً بعد ذلك السطر وجد له متسعاً وهي من الطرائق المستحسنة التي يفعلها المحدثون وغيرهم .



- وأن تكون بخط واضح .







قواعد لفهم كتب العلماء







 لا شك أن تصحيح مسار الفهم ، وتصويب سبيل المعرفة أمر مهم جداً ، ولذا كان حسن الفهم من أعظم النعم .



وجميع مايراد تفهمه يحصل بطريقتين :



الأولى : بيان المتكلم عن مراده ومفهومه .



والثانية : تمكن السامع من تفهُّم الشيء .



إلا أن الفهم له آفته كما أن للكتب آفاتها ، فلا بد من قواعد تضبط ذلك ، وهي كالتالي:



القاعدة الأولى : البنية المعرفية للقارئ لكتابٍ علمي تأصيلي لها أثرها الواضح في حسن الفهم لمصطلحات وأبواب ومسائل الكتاب.



ذلك أن مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين نافع في بابه بشروط ، منها : فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ، وذلك يحصل أخذ العلم مشافهة عن العلماء أو مما هو راجع إلى ذلك ، والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد .







القاعدة الثانية : الرجوع إلى المعروف من حال المصنف ومذهبه وحاله عن وجود عبارات مشتبهة في كلامه.







القاعدة لثالثة : مراعاة أحوال المؤلف وأطواره ـ إن مر بأطوار ـ في منهجه الاعتقادي أو الفقهي أو نحو ذلك .







القاعدة الرابعة : مراعاة التراجعات العلمية . إذ إن الرجوع إلى الحق فضيلة ، وكان أسلافنا الأخيار يرجعون إلى الحق إذا بان لهم ، فعندما يصطحب الناظر في الكتب لهذه الحقيقة يعلم يقيناً أن المصنف لكتاب ، قد يرجع عن قول قرره في الكتاب نفسه أو في بعض نسخه المتأخرة أو في أي كتاب آخر ، ولذا فلا ينبغي التسرع في نقل قول عالم من كتاب إلا إذا علم أنه أقره ولم يتراجع عنه .







القاعدة الخامسة : حمل المُجمل من كلام المؤلف على المُفَسَّر في الكتاب نفسه أو في كتابٍ آخر له.







القاعدة السادسة : تفهم الكلام حسب الدلائل المعتبرة في فهم كلام المؤلفين.



إذ إن الدلائل نوعان:دلائل معنوية ،ودلائل لفظية ، والدلائل اللفظية ثلاث :دلالة موافقة ، ودلالة لزوم ، ودلالة تضمن .



وإنما يفهم من خلال دلالة المطابقة والتضمن ، أما دلالة اللزوم فلا يُعمل بها على إطلاق إلا في مجالين :



الأول : أن يلزمه صاحبه إذا ذكر له اللازم .



والثاني : أن يدل عليه ما جرى مجرى لفظه من تنبيه أو إيماء أو نحوهما من الدلالات اللفظية .







القاعدة السابعة : مراعاة موارد الكلام للناظر في الكتب ، فقد يكون مورد الكلام وعظاً أو محاجّة لخصم ، أومناظرة لمخالف أو نحو ذلك ، فإنه قد يتنزل الإنسان في المناظرات ما لا يتنزله في باب التقرير ، وهكذا .







فوائد تتعلق بمطالعة الكتب







الفائدة الأولى : أن تكون القراءة للكتاب بنية عدم الرجوع إليه مرة أخرى ، وفي ذلك يبادر إلى استنفار قواه العقلية .



الفائدة الثانية : مراعاة الزمن عند قراءة الكتب ، فإن العمر قصير والعلم كثير ، فينبغي على الإنسان أن يعوِّد نفسه على سرعة القراءة مع تفهم .



الفائدة الثالثة : تحديد الغاية من قراءة الكتاب من اختصارٍ أو تلخيصٍ أو جردٍ لاستخراج أشياء معينة ، وبحسب تحديد الغاية تكون الطريقة المناسبة للقراءة .



الفائدة الرابعة : الانتقاء والاختيار ، فإن الكتب كثيرة ، بل هي في كل فنّ كتب كثيرة .











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق