Translate


الخميس، سبتمبر 09، 2010

عذراً يا نصوص القانون



المستند في كتابتي لهذا المقال وأسباب ذلك -
هو القول بضرورة ممارسة الفقه في القانون حسب ما يوافق أصول هذه المادة العلمية ، وقد شجع على هذه الممارسة قرار هيئة التأديب رقم ( 5 ) في 26/2/1393هـ والمتضمن " عدم مسائلة الموظف تأديبياً حيال إدلائه برأي قانوني مخالف لتوجيهات رؤسائه " 
وأما سبب الكتابة هو : بقاء بعض الإجراءات على روتينها القديم ، مع صدور أنظمة حديثة ومتطورة ناسخةً لها فيكون في هذا ضرراً إما للفرد وإما للمجتمع ، ويرجع هذا الأمر إلى جمود في الحركة العلمية لدى القائمين على الإدارات أياً كان نوعها ، وأحياناً يكون السبب قصوراً في فهم المسئول عن الإدارة أو القسم التابع له والمختص بدراسة الأنظمة ، مما يوجد سلوك غير إيجابي لدى عامة الموظفين التابعين له ألا وهو التعلق بقول صاحب الوظيفة لا بنصوص القانون.

مقدمه -
عند التأمل في جميع الأنظمة سواءً كانت دستوراً - كما يعبر عنه في علوم القانون - وهو الوارد من أعلى سلطة في الدولة أو كانت لوائح تنفيذية تصدر عن لجان أو عن وزير مختص بتكليف من صاحب السلطة - وذلك على مستوى العالم كله - فإن الأصل في أعمال القبض والتفتيش سواءً في أماكن عامة كالشارع والمنتزهات ونحوه ، أو خاصة كالمنازل ونحوها فإنه يشترط لها إذن الجهة المختصة ( أياً كان نوع هذه السلطة ومسماها وتختلف من دولة لأخرى ) وذلك لما يتطلبه هذا الأمر من المحافظة على حقوق وحرية الناس وهذا بموجب ما ضمنته الشريعة الإسلامية للعباد ، وإسناد هذا الإذن للجهات المختصة نابع من فكرة الفصل بين سلطتي الضبط والتحقيق ، لأن الأدلة والقرائن المتوفرة لدى رجل الضبط قد تكون غير كافية ولا مقنعة للقبض أو التفتيش سواء كان ذلك في مكان عام أو خاص – بعكس ما يفهمه بعض رجال الضبط أن التعدي على الشخص في الشارع أمره بسيط ومن حقه القبض أو تفتيش من يشاء بدون ضوابط - فيتطلب الأمر حينها أن تمحص هذه الأدلة من السلطة المختصة بكل موضوعية بعيداً عن المؤثرات التي قد تكون لحقت برجل الضبط عند تحرياته ، وهذا التمحيص لعلة وجيهة وهي أن حرية الناس أصل ثابت لا ينال منها بسبب أدلة محتملة الصواب والخطأ ، فيكون حينها القرار من الجهة المختصة بصدور أمر القبض أو التفتيش أو عدم كفاية الأدلة.
ومع هذا فالنظام لم يغفل جانباً مهماً وهو أنه كما احتاط لحقوق الناس فقد راعى مصلحة المجتمع بعقوبة من يمارسون الفساد فيه فجاء الاستثناء من الأصل المشار إليه في أمور معينة ، فأجاز النظام القبض وكذلك تفتيش الأماكن الخاصة في حالة الضرورة ( كاستغاثة ونحوه )1 أوفي ( حالة التلبس بالجريمة )2 الوارد صفاتها وكيفيتها في المادة 30 من الإجراءات الجزائية أو ( موافقة الشخص طوعاً )3 بإجراء التفتيش لشخصه أو لمنزله أو لكل ما كان تحت تصرفه مما يلحق قياساً بالمنزل ، لأن النظام ما شرع هذه الإجراءات إلا لحرمة المنزل المستمدة من حرمة ساكنها الإنسان فإذا أسقط هذا الشخص حقه طوعاً برضاه فقد زال المحظور الذي وضعه النظام.
ولذا فإنه يتضح لنا مما تقدم ذكره أن القانون يخول رجل الضبط أن يقوم بإجراءات التفتيش أو القبض داخل المنازل أو خارجها بدون إذن الجهة المختصة في حالات معينة كما ورد بذلك التوجيه في نظام الإجراءات الجزائية ولائحته التنفيذية المادة 43 ونصها ( يجوز لرجل الضبط في حالة التلبس بالجريمة تفتيش منزل المتهم وضبط ما فيه من أشياء إذا اتضح من أمارات قوية أنها موجودة فيه ) وأما بالنسبة للمادة 41 من نفس النظام والتي تشير إلى عدم دخول المنازل إلا بأمر مسبب من هيئة التحقيق والإدعاء العام فإن هذا لا تعارض بينهما لأن إحداهما تحكي الأصل والأخرى تشير إلى حالات التلبس المستثناه ، وقد نص على ذلك صراحة ما ورد في الباب الرابع من الإجراءات الجنائية الصادرة من وزارة الداخلية بخطاب وكيل الوزارة عام 1423هـ وأيضاً قد ورد النص التالي في برقية سمو أمير منطقة مكة المكرمة رقم ( 35535/ع ) في 20/ 1/1427هـ [ في غير أحوال التلبس يجب على الجهة المختصة أخذ إذن الجهة المختصة ] وبمفهوم المخالفة الوارد شرحه في علوم فقه القانون يتضح أنه في حالة التلبس لا يجب أخذ الإذن بذلك من الجهة المختصة ، ويوضح هذا المفهوم ما جاء في مذكرة سعادة رئيس دائرة التحقيق في قضايا العرض والأخلاق ونصه [ في حالة التلبس بالجريمة يجوز دخول المسكن بدون إذن الجهة المختصة ولكن مع مراعاة بقية الأنظمة في كيفية الضبط والتفتيش ] ، وهذا الاستثناء وبالتحديد في قضايا التلبس جاء به النظام بعد دراسة مستفيضة على إثره صدر نظام الإجراءات الجزائية ، والذي فيه مواكبة للعلوم القانونية وتطويراً للإجراءات الجنائية في المملكة ، ولمن أراد المزيد عليه مراجعة بعض الكتب القانونية ومنها على سبيل المثال ( تطور الإجراءات الجنائية في المملكة ) لمستشار أمير منطقة الرياض الأستاذ / عبد الله بن مرعي القحطاني ، وأيضاً كتاب ( الإجراءات الجنائية في المملكة ) للعميد / بن ظفير أستاذ العلوم الأمنية بكلية الأمير نايف للعلوم الأمنية ، و أما بقية الحالات المستثناه التي أشرنا إليها من أخذ إذن صاحب المحل المراد تفتيشه أو في الحالات القائمة على الضرورة فقد وردت أيضاً في نظام الإجراءات الجزائية ، وكذلك وردت قديماً في نظام الأمن العام عام 1360هـ وفي لائحة هيئة الأمر بالمعروف عام 1407هـ المادة الرابعة عشر ، والعلة في هذا الاستثناء أن مراد الدولة هو تحقيق العدل والوصول إلى الحقيقة ، فمن كان متلبساً بجريمته وقت وقوعها فإنه لا يخشى عليه من احتمال الخطأ حيال تقدير التهمة وجدية أدلتها ، فكان من المنطق والعقل المسارعة في ضبطه وتفتيش منزله إذا ترجح أن فيه ما يفيد كشف أبعاد الحقيقة وكانت الجريمة مما تخلف أثاراً مادية والتأخير هنا حتى استئذان الجهة المختصة يعطي المتهم الفرصة في الهرب من جهة ، ومن جهة أخرى العبث بأدلة الجريمة في حين أن كل ذلك كان موجوداً في قبضة السلطة ، والفرق هنا واضح بين الحالتين.

موضوع المقال :-
مما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ثلاثة أمور: -
أ – ما يلاحظ واقعياً من إجراءات غير مناسبة من منسوبي الأمن العام متمثلاً في أعمال الدوريات الأمنية ، عندما يقوموا باستيقاف سيارة والتحفظ على صاحبها وإرساله إلى قسم الشرطة، والسبب في ذلك هو تلقيهم بلاغاً عبر غرفة العمليات من شخص عادي يخبر أن هذه السيارة استعملت في مخالفة، والسؤال هنا هل هذا الإجراء قانونياً صحيح؟
الجواب : لا شك إن من واجبات الأمن العام تلقي البلاغات حسب المادة 70 من نظام مديرية الأمن العام وحسب نظام الإجراءات الجزائية ولكن ليس من حقهم القبض على أحد إلا بتهمة مكتملة الأركان، وكذلك ليس من حقهم استيقاف أحد أو التحفظ عليه لفترة يسيرة إلا بموجب شبهة قوية لها مبرراتها كما ورد في لائحة أصول الاستيقاف، وأما هذه البلاغات الواردة من مجهولين وتقييدها لدى سجلات الأمن العام إنما هو إجراء تنظيمي يهدف من خلاله إلى احتمال الاستفادة من هذه المعلومات في أي وقت كما ورد في خطاب وزير الداخلية رقم 2س/4682 في 22/4/1395هـ ، وعلى حسب نوعية البلاغ وخاصة الذي يتعلق بحريات الآخرين وحقوقهم فإنه يجب أن يحال إلى الجهة المختصة للتحري وجمع المعلومات لا أن يكون مبرراً للتعرض للناس، ولهذا من حق من وقع عليه مثل هذا التعدي أن يقيم دعوةً على من باشر الحالة ومن أصدر توجيهاً فيها.

ب – بقاء بعض الإجراءات على روتينها القديم كما تقدم أعلاه مع صدور أنظمة حديثة ومتطورة ناسخةً لها ويرجع هذا الأمر إلى جمود في الحركة العلمية لدى القائمين على الإدارات أياً كان نوعها، وأحياناً يكون السبب قصوراً في فهم المسئول عن الإدارة أو القسم التابع له والمختص بدراسة الأنظمة، مما يوجد سلوك غير إيجابي لدى عامة الموظفين وهو التعلق بقول صاحب الوظيفة لا بنصوص القانون.

ج - ما أثير مؤخراً عبر مواقع الانترنت من عدم دخول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأماكن العامة والخاصة ومنها المطاعم والأسواق – والحديث عن الموضوع سيكون كالتالي:-
1- مسألة : دخول المنازل وقد سبق الحديث عنها أعلاه.
2 - مسألة : التعريف بأنواع رجال الضبط.
لابد أن نعرف أن القانون العام في العالم كله يقسم رجالاته فيما يتعلق بأمور الضبط إلى قسمين:
أ- ضبط جنائي: وتعريفه كما ورد في المادة 24 من نظام الإجراءات الجزائية [ هم الأشخاص المكلفين بتعقب المجرمين وكشف جرائمهم والتحري عنهم ]
ب- ضبط إداري : [ وهم الأشخاص المكلفين بحماية أمن وأخلاق المجتمع ومنع الشر قبل وقوعه وتنفيذ اللوائح والأنظمة بحق المخالف ].

وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في القسمين من الناحية القانونية ، فقد نصت الفقرة "3" من اللائحة التنفيذية لهيئة الأمر بالمعروف المعتمدة بالقرار رقم 2740 في 24/12/1407هـ [ للهيئة مراقبة الأسواق العامة والطرقات والحدائق وغيرها من الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية ] وفي هذا النص إشارة لأعمال الضبط الإداري المسند إلى الهيئة كما سبق وأن أوضحناه في التعريف أعلاه ، وأما المادة "9" فقد أشارت إلى دور الهيئة في أعمال الضبط الجنائي [ من واجبات الهيئة مكافحة صنع المسكرات أو ترويجها ... ] وكذلك نصت المادة "4" من نفس النظام [ تختص الهيئة بتلقي البلاغات والتحري عنها ] والمادة 26 من نظام الإجراءات الجزائية نصت صراحة على ذلك.

ومن خلال النوع الثاني من أعمال الضبط وهو الضبط الإداري يتضح لنا أن الهيئة تحتاج للقيام بواجبها أن تمارس ما يعرف بالدوريات وهو لفظ يطلق بمعنى الطوافة للإحاطة بالشيء، والدورية تعرف قانوناً: [ بأنها النشاط الذي يقوم به موظف الدولة للحفاظ على النظام وبسط سلطان الدولة على كل بقعة من أراضيها للقضاء على عوامل ارتكاب المخالفة قبل وقوعها وذلك بالقضاء على فرص ارتكابها، وكذلك ملاحظة تنفيذ ما تشرعه الدولة من قوانين ولوائح باللين والإقناع إن أمكن، وباستعمال القوة والشدة إذا اقتضت الضرورة ]. وهذه الدورية قد تقسم إلى دورية راجلة أو راكبة بالسيارة، وقد يكون القائم بها شخص فأكثر على حسب طبيعة المحل المراد عمل جولة عليه.

3- مسألة: دخول الأماكن العامة.
قبول الكلام عن هذه المسألة يجب تعريف ما هو المكان العام ؟
ورد في علوم القانون أن الأماكن العامة لها مدلولان:
أ‌- المكان العام بالتخصيص: وهو الذي يسمح للناس بارتياده في أوقات معينة فقط سواءً كان هذا المحل يقدم خدمة للعامة من الناس بالأجر أو بالمجان، مثال: المطاعم – حديقة الحيوانات أو المستشفيات ونحوه.

ب‌- المكان العام بالأصل: كالطرقات والحدائق العامة.
ولما تقدم فإن دخول هذه المحلات العامة له حالات، منها القبض على شخص متهم وقد سبق الكلام عن هذا في مقدمة حديثي ومنها القيام بمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح حسب الاختصاص المعطى للجهة القائمة بهذا الواجب، ومنها إجابة صاحب المحل إن طلب المساعدة، ومنها القيام بأعمال التحريات وجمع المعلومات والتي هي من الأصل لا تحتاج إلى إذن من الجهات المختصة.
والقانون عن طريق واضعه ومشرعه لما خص بالذكر في مواده بالمنازل كان يقصد استبعاد الأماكن العامة - بشرط عدم التعرض للأشياء المغلقة والغير ظاهرة - ما لم توجد قرائن وأدلة تدل على وجود مخالفة فيكون الضبط هنا قائماً على حالة التلبس لا على ما لرجل الضبط من حق في دخول الأماكن العامة والإشراف على مراقبة تنفيذ القانون.
فإذا كان النظام قد وضع قانوناً في كيفية دخول المنازل والتي تعتبر من أشد المواقع حرمة لتعلقها بأصحابها لكونها مستودع السر ومكان الراحة ومن هذه المواد " جواز دخول المنزل في حالة التلبس بالجريمة أو بإذن من أصحابها أو دخول هارب مطارد لمنزل آخر - فمن باب أولى أي مكان آخر هو أقل منه حرمة كالمطاعم ونحوه.
وعلى هذا فيجوز نظاماً دخول هذه المواقع العامة من قبل رجال الضبط ومنهم أعضاء الهيئة للتأكد من تنفيذ القوانين المبلغة لهم حيال هذه المحلات العامة – ومنها المطاعم – وكذلك يجوز دخولها للقبض على شخص متهم متلبس بجريمته ، كما يجوز دخول هذه المحلات لأعمال التحريات السرية أو بطلب من أصحابها – أليس مراقبو البلدية يمرون على المحلات ويدخلونها ، أليس مفتشو وزارة الصحة يمرون على المستشفيات ويدخلونها، إذاً كلاً حسب اختصاصه له دخول الأماكن العامة المفتوحة للناس للقيام بالواجب الوظيفي وللتأكد من تطبيق النظام الداخل في اختصاصه - فلماذا الهيئة والضجيج حولها " فلا داعي إذاً لكل هذا اللغط أو التعسف " وأما مجرد القيام بحملة تفتيشية القصد منها البحث عن جريمة لم يتوفر عنها أي معلومات فإن هذا إجراء يرفضه النظام لأنه من غير المقبول استيقاف أي شخص إلا إذا توفرت حياله أسباب مبررة ووجيهة، وعلى هذا فلا يوجد أي مانع قانوني من دخول هذه المواقع أو إجراء القبض والتفتيش فيها بالصور التي ذكرناها – ومن خالف الأصول القانونية فهناك جهات مختصة تراقب الإجراءات وتحكم بصحتها أو بطلانها ومن ثم يقوم مبدأ الثواب والعقاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق