Translate


السبت، سبتمبر 11، 2010

فولتير 2



ربما لا يوجد فيلسوف في اوربا له من النفوذ في حياته ما كان للكاتب والفيلسوف فولتير . فعلى الرغم من السجن والنفي ومصادرة اتباع الكنيسة والدولة كل كتبه تقريبا فقد شق طريقه بقوه من اجل اعلان الحقيقة والدفاع عنها وعما يؤمن به من افكار جديدة في ذلك العصر بل كان في اخرايامه موضع احترام واجلال الجميع بمن فيهم الملوك والحكام ورجال الدين والكنيسة .  

ان الشيء المثير والمدهش هو خصوبة وتألق عقل فولتير حتى وهو في سن متقدمة من حياته فلم يتوقف مطلقا عن الكتابة والانتاج . لقد كتب في حياته تسعا وتسعين كتابا في مختلف الحقول والميادين من المسرح الى الرواية الى الفلسفة والتاريخ وغيرها من الميادين

يمكن تقسيم الانتاج الفكري لفولتير على النحو التالي

اولاـ المسرحيات ـ واغلب مسرحيات فولتير هي مسرحيات فكاهية ساخرة وفيها ما يمكن ان يطلق عليه الكوميديا السوداء . فهي تنتقد الاوضاع الاجتماعية بمرارة . وتسخر من الشخصيات الاجتماعية المنافقة والتي تهتم بالمظهر دون الجوهر . وكان يقول ( لو لم تهبنا الطبيعة شيئا من روح الفكاهة والنكتة لكنا اتعس المخلوقات . ولولا روح المرح والسخرية من بعضنا البعض لكان من الصعب علينا ان نعيش . والفلاسفة الذين لا يضحكون هم فلاسفة فاشلين فمن الجميل ان نكون مجانين بين فترة واخرى .

ثانيا ـ الروايات ـ وقد كتب فولتير الكثير من الروايات الفلسفية الناجحة وفيها تقترن الاسطورة والخرافة بأساليب الخيال العلمي ومن هذه الروايات رواية (لانجينو) ورواية (ميكر وميجاس ) ورواية ( صادق) ورواية )كانديد) . وفي هذه الروايات يشرح فولتيرآرائه الفلسفية من خلال حكايات غريبة واستثنائية .



تتحدث رواية لانجينو عن احد الاشخاص البدائيين من الهنود الحمر . وقد جاء هذا الشخص برفقة بعض الرواد المستكشفين الى فرنسا . وتحدث له الكثير من المفارقات والتصادمات بين آراء وعادات الانسان البسيط الذي يعيش على الفطرة والانسان المتحضر الذي تثقله العادات والتقاليد والافكار المعقدة التي تتناقض مع الفطرة التي يجب ان يكون عليها الناس . وكذلك ما يتبناه الانسان المتحضر من طقوس وميل الى المظاهر بعيدا عن الجوهر والبساطة .

اما رواية ميكر وميجاس فهي تشبه رواية الكاتب الانكليزي سويفت المسماة (جوليفر)حيث يزور كوكب الارض احد سكان الكواكب من الفضاء الكوني برفقة مخلوق من كوكب اخر وكل واحد من هؤلاء طوله عدة الاف من الاقدام وهم يستغربون من ضآلة حجم سكان كوكب الارض ولكن تصاحب هذه الضآلة في الحجم قسوة في السلوك لا مثيل له وروح عدوانية شديدة بحيث يقتل بعضهم بعضا من خلال الحروب والصراعات التي لا تنتهي بين الافراد والجماعات .

اما رواية صادق فتتحدث عن الفيلسوف والحكيم البابلي صادق . ويقع صادق في حب اميرة البلاد (سميرة) . تحدث بعد ذلك الكثير من الصراعات في المملكة التي يكون صادق طرفا فيها لذلك فأنه يتوصل الى نتيجة بأن الجنس البشري هم مجموعة من الحشرات التي يلتهم بعضها بعضا من اجل امور تافهة .

في رواية كانديد يروي فولتير حكاية شاب بسيط وامين اسمه كانديد وهو ابن احد كبار الزعماء يرافق استاذه الحكيم والفيلسوف (بانجلوس) وبعد كثير من الحوادث التي تجعله يضطر بالتنقل من بلد الى اخر ويخوض خلال تنقلاته الكثير من المغامرات كان فيها استاذه يعبرعن ملاحظاته وارائه الفلسفية بالاحداث والناس . وقد انتقلوا خلال ذلك من اوربا الى امريكا ثم عاد كانديد واستقر في احد المزارع في تركيا . وقد بدأت تتبلور لديه افكار بأن الناس كانوا دائما يذبحون بعضهم بعضا وبأنهم قساة وخونه وحمقى ولصوص . ولكنه يتوصل بالنتيجة بأن ليس بالامكان ابدع مما كان فهكذا نشأ الناس وهكذا سيبقون .

ثالثا ـالكتب الفلسفية ـ ان اهم كتب فولتير الفلسفية هي (تاريخ اخلاق وروح الشعوب) وكتاب (الموسوعة الفلسفية) . وفي الكتاب الاول يضع فولتير الاساس لعلم التاريخ الحديث واول فلسفة عن تاريخ وهو محاولة منظمة لتتبع تطور التاريخ الاوربي حيث ان بحثه لا يتطرق الى تاريخ الملوك بل تاريخ الحركات والجماهير ولا يتناول الحروب بل تقدم العقل البشري وهو يقول لا اريد ان اكتب تاريخا عن الحروب بل عن المجتمعات فموضوعي هو تاريخ العقل البشري وليس تاريخ الحروب او تاريخ الملوك واللوردات.

اما في كتابه (الموسوعة الفلسفية) فهو يتحدث عن التسامح والديني وهو يفرق بين الدين والخرافات التي تلتصق بالدين ويقول ان الخرافات هي من صنع وابتكار القساوسة والكهنة فهم الذين صنعوا علم اللاهوت كما ان الخلافات هي من صنع وابتكار اللاهوت وهي سبب النزاعات المريرة والحروب الدينية .

في عام 1758اشترى ضيعة داخل الحدود السويسرية ليسكن فيها قريبا من الحدود الفرنسية ليشعر بالامان بعيدا عن السلطات الفرنسية او في منزله في هذه الضيعة كتب افضل مؤلفاته

وفي عام 1778اشتد به المرض فأخذه الشوق والحنين لزيارة باريس قبل ان تعاجله الوفاة . وعلى الرغم من تدهور صحته فقد انتقل في عربته الى باريس وقد استقبلته الجماهير الفرنسية استقبالا منقطع النظير وبدأ زيارته الى باريس التي استقر فيها بخطاب في الاكاديمية الفرنسية وسط الجماهير المحتشدة . في 30 مايو (ايار)1778 توفي فولتير. وفي عام 1791 اجبرت الجمعية الوطنية الملك لويس السادس عشر على نقل رفاة فولتير الى مقبرة العظماء في باريس وقد اصطف في الشوارع اكثر من 600 الف من الرجال والنساء في وداع الفيلسوف الكبير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق