Translate


الجمعة، أكتوبر 08، 2010

متعة الرواية



- العنوان: متعة الرواية
- الكاتب: أحمد زياد محبك
- عدد الصفحات: 348
- الناشر: دار المعرفة، بيروت
- الطبعة: الأولى/2005
عرض/إبراهيم غرايبة
لماذا نقرأ الرواية؟ ما الحوافز التي تتضمنها الرواية فتجعل القارئ يتابعها؟ بماذا تختلف الرواية في طبيعة تلقيها عن غيرها من الأجناس الأدبية؟ هل المتعة وحدها هي الدافع إلى قراءتها؟ لماذا حققت الرواية هذا الانتشار الكبير في القرن العشرين؟ يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للرواية العربية، وبخاصة قضية المكان وأهميته في الرواية، ومفهوم الرواية بمعناها العام، ويحلل مجموعة من الروايات العربية لنجيب محفوظ وفاضل السباعي وعبد الكريم ناصيف وآخرين.

متعة السرد
تتحقق متعة السرد عشرات المرات يوميا، وذلك من خلال رواية الحكايات واستماعها ومشاهدة التلفاز، ورواية الأخبار، وتتحقق بشكل أكثر عمقا وقوة من خلال قراءة الرواية، وتمنح متعة التخيل، وتعطي المتلقي خبرة، وتعرفه بعالم جديد، وتحفز مخيلته لبناء هذا العالم وتركيبه بحرية وفق هواه، فينطلق من إسار الواقع الراهن، ويحقق ذاته، ويمارس ذلك في الواقع ويشبع رغباته.
كما يجد المتلقي في الرواية متعة التعرف على الشخصيات، وقد يتماهى مع إحداها ويستفيد من تجاربها، كما يستمتع القارئ بمتابعة الحوادث وترقب المجهول، ومحاولة استكشاف ما سيأتي، ويزداد فهما للواقع ونظامه، ولذلك فإن المرء بعد قراءة الرواية يعود إلى الحياة وهو أكثر راحة وانسجاما مع نفسه، ولعل المتعة الأكبر في هذا كله هي متعة كتابة الرواية وإبداعها ودراستها ونقدها أيضا.

جماليات المكان
يعد المكان من أهم عناصر الرواية، فهو الموضع الذي تجري فيه الأحداث وتتحرك خلاله الشخصيات وهو فضاء يحتوي كل عناصر الرواية الأخرى، وقد يكون أحيانا هو الهدف من العمل الروائي. والمكان في الرواية غير المكان في الواقع، إنه مكان خيالي له مقوماته الخاصة وأبعاده المتميزة. وتتمثل أهمية المكان في الرواية في كونه عنصرا فاعلا في تطورها وبنائها وفي طبيعة الشخصيات وعلاقاتها، وهو فضاء يتسع لبنية الرواية ويؤثر فيها. وقد ميز غالب هلسا بين ثلاثة أنواع من المكان الروائي: المكان المجازي والهندسي والمكان بوصفه تجربة.
أما الوصف فيرسم الأشياء بوساطة اللغة، وهو يصور الأشياء في المكان ولكنه ليس غاية في حد ذاته وإنما يأتي لخلق الفضاء الروائي، وله وظائف كثيرة مثل التصوير الفني للمكان وتمجيد الشخصية، والإيهام بالحقيقة، وخلق انطباع بها، وهو يقوم على الاستقصاء والانتقاء. ومن الممكن النظر بعد ذلك إلى المكان من وجهة نظر فكرية من حيث هو مكان روائي فني يتم تصويره من خلال وجهة نظر وزاوية رؤية، فهو يحمل قيمة ويمثلها أو يرمز إليها.

الرواية التاريخية
يرى محبك أن الاتجاه إلى الرواية التاريخية قد طغى على التأليف الروائي سواء بقصد تحويلها إلى عمل تلفزيوني، أو العمل الروائي ذاته، ويرجع سر الإقبال على التاريخ لدى المبدعين أو المتلقين إلى أن التاريخ يوفر للمبدع مادة جاهزة للتأليف يستطيع تشكيلها وفق ما يشاء. كما يمتلك التاريخ حوادث مفصلية وشخصيات قوية مؤثرة ويمتلك لدى الجمهور رصيدا معرفيا ووجدانيا وعاطفيا يسهل على المبدع مخاطبته والتأثير فيه، بالإضافة إلى أن التاريخ حسم الصراع بين القوى الفاعلة مما يتفق مع الرواية ويتيح للمبدع حرية العمل فكريا فيثير قضايا مهمة وهو متستر بالتاريخ. ومن جانب المتلقي يجد الجمهور متعة في استعراض الماضي بإحساسه بما يحس به في الواقع، وقد يساعد التاريخ المؤلف على استخدام العربية الفصيحة في السرد والحوار، ويمنح المؤلف مادة لا تنضب بتعدد القراءات. ولكن ألا يمل الجمهور من التاريخ؟ وهل الكتابة في التاريخ فرار إلى الماضي؟ وأين الرواية العاطفية والخيالية والاجتماعية؟

وداعا يا أفامية
يتجه المؤلف هنا اتجاها تطبيقيا, فيقدم في هذا المقال دراسة حول أدب الروائي السوري شكيب الجابري صاحب رواية "نهم" التي صدرت عام 1937، وتعد أول رواية سورية بالمعيار الصحيح للرواية. وقد صدرت له عدة روايات يخص المؤلف منها "وداعا يا أفامية" الصادرة عام 1960، وهي رواية يستلهم فيها الكاتب أسطورة بيجماليون، وتصور عالما للمعادن يرعى فتاة بريئة وساذجة يصوغها وفق هواه، ويعشقها ثم تفر منه، وتضيع إلى الأبد لتؤكد سمو الفن فوق الواقع ونقاءه وخلوده، وتصور الرواية حياة الفلاحين في سهل الغاب، وتقدم تسميات علمية دقيقة لعشرات الأشجار في سياق روائي محكم.
وللرواية بطلان رئيسيان هما سعد الغارق في الملذات، ونجود رمز البراءة والنقاء. ينقذ سعد نجود ويحبها كما تحبه هي إلا أنهما لا يتزوجان، وتبقى نجود رمزا للنقاء والبراءة. وكما فارق سعد نجود إلى الأبد فارق الجابري الرواية أيضا، فقد كانت روايته هذه آخر رواية يكتبها. وله "قدر يلهو" و"قوس قزح"، وكأنه قال: وداعا للبراءة والنقاء والصفاء والبداوة، وكأن "وداعا يا أفامية" كانت إشراقة اعتزل بعدها الرواية.

جماليات المكان في رواية ميرامار
يمتلك المكان في رواية ميرامار لنجيب محفوظ الصادرة عام 1967 أهمية خاصة، حتى يمكن أن يعد شخصية اعتبارية، والمكان الأول في الرواية هو بنسيون ميرامار الذي يتسع ليشمل الإسكندرية والقاهرة، وفيه تتم معظم أحداث الرواية، وإليه تلجأ الشخصيات وفيه تلتقي. فيلجأ إليه عامر وجدي الشيخ العجوز، وطلبة مرزوق وكيل الوزارة السابق، ونصور باهر الشاب الهارب من القاهرة، وزهوة الهاربة من القرية، وسرحان الذي ترك شقته لعشيقته، وماريانا اليونانية التي تملك البنسيون. يحمل البنسيون عبق الماضي والطابع الغربي، ويتميز فيه المدخل حيث يلتقي النزلاء ويسهرون. وأبرز ما يثير الاهتمام هو الزاوية التي يُرى منها المكان، وهي رؤى نفسية في المقام الأول. وتختلف الرؤى باختلاف الشخصيات وتنوعها، فالإسكندرية بالنسبة لسرحان البحيري هي شقة لامرأة يفكر في الزواج بها، ومطعم يفكر فيه ويحيك المؤامرات، أما منصور باهر فهي لديه البنسيون الذي يلتجئ إليه.
فالمكان محدود وثابت، إلا أن الشخصيات تغنيه وتؤثر فيه، وبالتالي تبدو الرواية متعلقة بجوهر الإنسان والمراحل التي تمر بها البشرية.

رياح كانون
تتكون رواية "رياح كانون" للروائي فاضل السباعي من ثلاثة أقسام، والشخصية الرئيسية فيها هي رامي حسام الدين، وهو ناقد وأديب تخلى عن أهله ليعيش خالصا للفكر والأدب، وهو من أسرة متوسطة الحال، ويعمل محاميا ويطمح إلى كتابة رواية يحقق بها ذاته. يلتقي رامي بشابة مثقفة (لبنى) من أسرة غنية، أنجزت رواية وتبحث عن ناقد يراجعها، ويتحابان، ثم تسافر وتنشر روايتها، وتحقق شهرة واسعة، وحين ترجع يفاتحها برغبته الزواج في بها، إلا أنها تصارحه بأنها أقامت علاقة مع شاب آخر، فيطردها رغم توسلاتها، ويحس بالخيانة فتثور في نفسه كوامن الإبداع، وتصبح ملهمته وحافزه على الكتابة، ويتخذ من صلته بها موضوع رواية.
يقدم محبك قراءة جديدة لـ"رياح كانون" دارسا فصولها من الاستهلال والافتتاح والخصائص التعبيرية والسمات الفنية والاختتام، كما يعرض لآراء النقاد حول الشخصية الرئيسية، وأحداث الرواية ومدلولاتها، ويرى أن الرواية قدمت نموذجا لمثقف مدان، بسبب انخلاعه عن طبقته وتنكره لأسرته، وانغماسه في الملذات من أجل الكتابة واتخاذه الناس مواضيع لقصصه، وتعامله مع المرأة باعتبارها محرضا على الكتابة، مما يعني سوء فهم لدور الأدب في الدفاع عن الحياة والناس.

ينداح الطوفان
تؤكد رواية "ينداح الطوفان" للروائي السوري نبيل سليمان وضوح الهم الواقعي ولاسيما الاجتماعي والسياسي، وتضم نحوا من 20 شخصية من الإقطاعيين والفلاحين يدخلون في صراع مرير، ويبرز عنصر الإدهاش بشدة.
كما تقدم الرواية سلسلة من المفاجآت لا تقوم على تحليل الدوافع وتوضيح الأسباب، بل تعرض الحوادث بسرعة، وهي حوادث مفاجئة ومدهشة، وتقود الصراع إلى نضوج في الوعي ووضوح الرؤية. والرواية بمفاجآتها المدهشة تحمل أبعادا فكرية وتلتحم مع بنية العمل الروائي وتلح على فكرة التغيير.

أطياف العرش
"أطياف العرش" رواية أخرى لنبيل سليمان وهي من أكثر رواياته جرأة وحفاوة بالتقنية الفنية، وهي معنية بالفكر والحوار، وتدور أحداثها في قرية من صنع الخيال في سورية، وبطلها "الطويبي" رجل يستغل الدين ويشوهه بحثا عن السلطة ليصل إلى شكل من أشكال الحكم الفردي المتسلط قبيل الاستقلال، وتشاركه في ذلك زوجته وأعوانه، وبعد الاستقلال ترسل له الحكومة المحلية حملة فتقتل زوجته ويحكم عليه بالإعدام.
تقدم الرواية نقدا تحليليا معمقا لهذا النوع من الحكم، وهي أمثولة من التاريخ صورت نموذجا للوعي الفردي الجامد المتحجر من خلال لغة فنية وقدرة متميزة.

الأشجار واغتيال مرزوق
"الأشجار واغتيال مرزوق" هي الرواية الأولى للروائي العربي عبد الرحمن منيف، وقد صدرت عام 1973 وتروي قصة رجلين شقيا في حياتهما على كافة المستويات، أحدهما أستاذ جامعي، والآخر أمي مارس أعمالا كثيرة، ولم يبق لهما إلا الحلم واسترجاع الماضي.
يلتقيان في قطار مسافر إلى الخارج، يعمل إلياس مهربا، ويعمل منصور مترجما في بعثة أجنبية تنقب عن الآثار، كلاهما يعيش بائسا بالحب وكلاهما سلبي متخاذل يبحث عن التغيير. ولكن المكان والزمان ثابتان، لقد كانا متحركين والعالم من حولهما ثابت، وقد ضاعا في الزمن الذي يعيش فيه الإنسان بائسا محروما من الرغيف والمرأة، ويضطر إلى الخيال، ثم يصبح لا ينظر إلى الخلف، وما أحوج الإنسان إلى الحلم المستقبلي.

الشاطئ الآخر
"الشاطئ الآخر" للروائي محمد جبريل تقدم خبرة شاب طرده أخوه بعد وفاة أبيهما، فلجأ إلى الأجنبي ليتفتح وعيه على الشاطئ الآخر، ويعرف الحب ويمتلك المعرفة, وكل ذلك يرتبط بخيوط قد تبدو الرواية فيها تعبيرا عن حياة أمة.
إنها تعبير عن الحب العربي العذري والحب في الحضارة الأوروبية، وفيها وصف دقيق للشخصيات والمكان, فقيمة المكان في الرواية تكمن في ملء الشخصيات له بالحياة، وقد كان البطل هو العنصر الأساسي المكون لها.

البنية الاجتماعية والثقافية في أفراح ليلة القدر
تقدم رواية "أفراح ليلة القدر" لمؤلفها عبد الكريم ناصيف مثالا مبدعا لاستدعاء التراث الشعبي، من أشعار وأساطير وأمثال وصيغ وتعابير تم توظيفها داخل بنية روائية معاصرة تعالج قضايا المجتمع ضمن رؤية فنية واعية للتغيرات التي طرأت على سورية من عام 1977 حتى عام 1993.
وذلك عندما صدر قرار تحويل الأراضي الزراعية حول دمشق إلى عقارات سكنية ومنشآت سياحية سيجني منها تجار جشعون مئات الملايين، وتتحول إلى بؤر للفساد، مما أدى إلى اتساع الهوة بين قلة غنية وكثرة فقيرة، وإلى انهيار الطبقة الوسطى وما رافقه من انحدار القيم والمفاهيم وانتشار الرشوة والفساد.
وتتمثل هذه الرؤية في عمل روائي ضخم يقع في 334 صفحة من القطع الكبير ويضم أكثر من 25 شخصية تبدو نهاياتها نابعة من طبيعة حياتها، ومن جنس الأفعال التي مارستها، كما تشير إلى التاريخ إشارات ذكية، وتهتم بالزمان أكثر من المكان لطبيعتها الاجتماعية.

جماليات المكان في "نزيف الحجر"
تصور رواية "نزيف الحجر" للروائي الليبي إبراهيم الكوني الصراع مع طغيان الجشع، وتمثل جزءا من عالم روائي متميز هو عالم الصحراء العربية في قلب أفريقيا، عالم يتميز بنزوعه الأسطوري نحو البراءة والجمال والنقاء, وهو حافل بالأساطير والعادات والتقاليد الصحراوية في تحديها لطغيان البشر.
والكوني من مواليد عام 1948 في غدامس بغرب ليبيا حاصل على الماجستير في الأدب والنقد من روسيا، ومن أبرز أعماله رواية "المجوس" وخماسية "الخسوف" و"التبر".
بطل الرواية "أسوف" يموت مقتولا على يد قابيل الجشع، ثم يتمكن المستعمرون من القضاء عليه بوساطة الطائرات، والرواية شائقة ذات لغة شعرية، بناؤها حداثي يقوم على قدر كبير من الحلم والاسترجاع والاستباق والمنولوج والتقديم والتأخير والتلاعب بالزمن.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق