Translate


الخميس، أكتوبر 21، 2010

التيوس





قصة : فيكتور يروفييف*
ترجمة : أشرف الصبَّاغ


حدث وأن أصبح الجميع ، عندنا فى روسيا ، على نحو ما ـ تيوسا. رؤساء العمل ـ تيوس. المرؤوسون ـ تيوس. الديمقراطيون ـ تيوس. الشيوعيون ـ تيوس. الانتلجنسيا ـ تيوس. الشباب ـ تيوس. العمال ـ تيوس. الروس الجدد ـ تيوس. المحالون على المعاش ـ تيوس. العلماء ـ تيوس. الفلاحون بالطبع ، أيضا ـ تيوس. فى الجيش ـ كلهم تيوس ، من الجنود إلى الجنرالات. ومن البديهى أن يكون الرئيس أيضا ـ التيس الرئيسى.
كل ذلك ، مثل الوباء ، يوقظ بعض الشئ . وتكون النتيجة أننا نعيش فى دولة تيسية مطلقة ، حيث يتضح أن الغالبية العظمى منا تيوس مرتين وثلاث حينما يجمعون بين الأدوار المختلفة للتيوس. وعلى أية حال لم يكن الجميع فى الماضى تيوسا. فعلى سبيل المثال ، كان هناك استثناء لرواد الفضاء. ومن المشكوك فيه أن أحدا ما قد سمَّى جاجارين تيسا. ولكن صار رواد الفضاء الآن تيوسا أيضا. والشعراء ـ أيضا تيوس. والمغنون المشهورون على وجه الخصوص ـ تيوس. حتى الأجانب فـى روسيا ، أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب يتمتعون بالامتيازات ، أصبحوا أيضا تيوسا لا تقل أو تزيد عن التيوس المحلية.
من جهة أخرى ، فالكثير من الشخصيات الروسية التاريخية التى رحلت عنا ، من أمثال لينين ـ دخلت فى زمرة التيوس. لدينا ماض تيسى. وتَشَكَّل لدينا وضع تيسى ، حتى على الجبهة الجنسية. وإذا أخذنا فى اعتبارنا أن كمية غير قليلة من النساء الروسيات ترى أن الرجال الروس تيوس ، فالوضع يصبح أشد خطرا. وبالتالى فكل ما يجرى فى روسيا ـ أمر بديهى.
التيس ـ كلمة كريهة ، سباب حاد ، أشد من كلمات السباب بالأم. ولعله أشهر سباب فى روسيا فى يومنا هذا. فهو لا يعرف أية حدود للعمر ، حتى المربون فى رياض الأطفال يستخدمونه.
إذا كان سكان الدولة من الرجال يقعون تحت طائلة القانون التيسى ، معنى ذلك أنه من اللازم أن يتم التعامل معنا مثلما يتم مع التيوس. أولا ـ لا يجوز إطلاقا أن يكون التيس محبوبا أبدا. الشاذون ، أولئك المجانين المهتمين جنسيا بالحيوانات ، هم فقط الذين يحبون التيوس. ثانيا ـ لا يوجد أى احترام للتيس. وفى النهاية ـ لا يوجد أى أسف أو حزن عند ذبح التيس. التيس ـ ليس صديق الإنسان. والتراجيديا لدى اليونانيين القدماء كانت تسمى أغنية تيسية ، وهذا يعنى أنه لن يكون هناك أى مستقبل فى بلادنا. فالتيوس لا تملك مستقبل. ومن الصعب أن نجادل فى ذلك.
ولكن ألا يمكن أن نشك فى الاستنتاج الأولى ؟ فالسباب ـ ليس كنية أو اسم مستعار. ولو حتى كنا تيوسا ، فنحن تيوس بين الأقواس ، أى بالمعنى المجازى حصرا. ومع ذلك ، فهذا لا يعلل أو يواسى ، لأن التيس المجازى كائن متعفن روحيا ، الأمر الذى يعتبر أيضا فى غاية السوء.
فهل من الممكن أن نبرهن بحق أننا لسنا تيوسا ؟ إذن فأية براهين لدينا يمكن أن نقدمها إلى صديقاتنا وزوجاتنا على أننا لسنا تيوسا ؟ مَنْ مِنَّا فى قرارة نفسه لم يسب نفسه بالتيس ؟ مَنْ مِنَّا لم يجلد نفسه بسبب انتمائه التيسى ؟ إن الهوية التيسية والوعى التيسى موجودان بداخل كل منا. وفى هذا لب القضية ، فالتيس يريد أن يرى الجميع تيوسا ، وبخلاف ذلك سيعز عليه الأمر ، سيحزن ويتضايق.
هل هناك أى مخرج من هذا الوضع الناشئ ؟
نحن الشعب المؤمن ، الذى يعشق تعاويذ السحرة ورقيهم ، يجب أن نجمع العالم كله : الشباب ورجال الشرطة والشيوعيون والمحالون على المعاش والروس الجدد ، ونشرع فى الغناء :
نحن ـ لسنا تيوسا. تيوس ـ ليس نحن.

يجب أن نكرر ذلك إلى مالا نهاية وعلى تنويعات موسيقية مناسبــة : راب ... راب ... أو ... تم ...تم. بإيقاع هادئ .. وصاخب . بسرعة وببطء. بعقل وبدون عقل. ولكن الرئيسى هنا هو أن يكون الجميع مبتهجين فرحين مهللين :
نحن ـ لسنا تيوسا. تيوس ـ ليس نحن.

عندئذ سيكون كل شئ على ما يرام.
--------------------------------------------------------------------------------

* فيكتور يروفييف من مواليد موسكو عام 1947م أنهى كلية الآداب جامعة موسكو الحكومية عام 1970م . وفى عام 1973م حصل على الدكتوراه من معهد الأدب العالمى . بدأ شهرته بنشر مقالات عن ماركيز دى ساد فى مجلـة " قضايا الأدب " الروسية عام 1973م . له روايات وكتب نقدية عديدة منها " الجميلة الروسية " و " المحكمـة الرهيبة " و " زهور الشر الروسية " .









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق