Translate


الاثنين، أكتوبر 25، 2010

عندما يعشق دمية


بعد جهد وعناء وجد العمل الذي يؤمن له ولوالدته ثمن الطعام وأجر الغرفة الزهيد ، عامل في محل للألبسة النسائية ، كانت مهمته ترتيب الملابس وفق نظام معيّن حدده له صاحب المتجر وهو تبديل ملابس دمى عروض الأزياء يوميا ،أمّا مهمة البيع فكانت للبائعات لمهارتهن في إقناع الزبونات بالشراء ، يغادر الجميع المتجر مساء إلا هو، لأن عمله يبدأ ليلا لتهيئة ملابس الدمى لعروض اليوم التالي.
هذا العمل أوقعه في مشاكل مع صاحب المتجر ؛ لأنه يصعب علية تنسيق ملابس كلّ دمية حسب ما يناسبها من أزياء ووفقا لتعليمات صاحب المتجر ،ورغبة في التخلص من المشاكل ، منّ عليه ذكاؤه المحدود بفكرة وهي أن يعطي كلّ دمية اسما يناسب جمالها لعله يستطيع أن يحدد ما يناسبها من ملابس ، وأصبح عالم المتجر عالمه الحميم ،الدمية التي لا تعجبه يختار لها اسما تقليديا ، والتي تعجبه يطلق عليها اسما يروق له ، ثم يبدع في تنسيق الملابس التي تليق بجمالها ، أعجبته دمية أطلق عليها اسم"نادين" ، ذات ملامح جذّابة وشعر أشقر ، وعيون أخّاذة تجمع كلّ ألوان الطيف ،شفتاها نديتان كحبتيّ كرز، كانت سببا في رقيّ ذوقه لأنه يختار لها أجمل الملابس ، مما يجعل الزبونات تتهافت على شراء زيّ "نادين "، ووثق صاحب المتجر بقدرته على انتقاء الموديلات المناسبة للدمى.
تحول إعجابه للدمية "نادين" إلى حبّ ، يجلس معها ويكلمها: إجلسي ، أتريدين قهوة وسيجارة، قهوتي لذيذة أصنعها بيدي ، هيلها عبق أنفاسي، لكن لا تدخني ،فالتدخين يؤذي صحتك ،ليتني أقلع عنه ، لكنت وفرت لأمي ثمن طعام جيد ورداء دافئا ، أتعلمين أني أحبك ، اعترفي، أتحبينني ؟ أخرجي عن صمتك ، أريد أن أسمعها ، في عينيك دمعة أهي من ولهك بي أو لأنك حزينة ؟ أني اسمع صدى تنهيدات عشقك تدوي في هذا المكان، ألا تقبلين بي حبيبا أو لأنني فقير معدم، هل الفقراء لا يستحقون الحبّ؟، لكني طيب القلب ،أتمنى أن أبني لك قصرا، وأملأه بالوصيفات والخدم وأحيطه بحديقة غنّاء ، وأزرع لك ياسمينة ، لا أطيق الابتعاد عنك أو أنت مثلي تشتاقين إليّ؟ ( غاضبا) ،دائما أنا أتحدث وأنت صامتة أوقلت شيئا ، نعم سمعتك ،قلتها: أنا أحبُّكَ أم خيالي هيأ لي ،أتسألين شيئا ؟ لم أنا، فالرصيف مليء بالحسناوات !!! لا أدري لم أنتِ ؟ كنت أسأل أصدقائي كيف السبيل إلى الحب؟ قالوا: يأتيك بلا موعد، والآن قد تملكني حبُك ، تقولين أنا لا أناسبكَ ،(رقيقا) لا أريد سوى الحب ، لايسعدني غيره ،وأنتِ مثلي تحتاجينه قد يعطيك الدفء في هذا المكان البارد، أنا على يقين أنك تملكين مشاعر حب صادقة لي ، لكن لا تملكين قدرة التصريح بها".
أخذت أمّه تلقي عليه الأوامر والتوصيات : يجب أن تحافظ على قروشك القليلة لأني أتمنى تزويجك ، فيردّ فرحا: كما تشائين : سأبحث لك عن عروس : لا تجهدي نفسك لقد وجدت العروس ،فرحت : أهي جميلة ؟- : من أجمل ما يكون،: وأخلاقها!: حميدة ، لا تغضب ، ليس لها طلبات ، لا يسمع لها صوت ، فم جميل بلا لسان : أهي خرساء ؟: لا تهمس إلا لي : هل تعرف بفقرك -: حدثتها لم تحتج ، مندهشة :هذا شيء رائع وهل وافقت على مشاركتنا المعيشة في غرفة واحدة -: لم ترفض - : أين تقيم -: في المتجر- : ماذا !! -:أقصد لا أعلم أين تسكن تعرّفت عليها في المتجر ، :سأعطيك طعام الغداء( ساندويتشات) لك ولها ،أتحب الزيت والزعتر ؟: تأكل كلّ ما آكله.
في الموسم الشتوي يكثر لها الملابس الصوفية الأنيقة خوفا عليها من البرد، جاء الصيف أخبره صاحب المتجر بأن العروض ستكون فساتين الزفاف،فرح وهمس في أذنها-:عندما ألبسك الثوب الأبيض سأغني لك ونرقص معا ،خالها تبتسم ، ألبسها وكانت في قمة جمالها وقف بعيدا ثم غنى لها:" طلّي بالأبيض طلّي يا زهرة نيسان "، ومضات السعادة تبرق على محياه وهو يراقصها ويخالها تغني له" يراقصني ويسمعني أحلى الكلمات"،ويبدأ بلملمة دموعها الواهمة حين تردد الأغنية: والمطر الأسود في عينيي، يغرق في رنين ضحكاته : أنها دموع الفرح لأنك عروسي.
الآن موسم تجهيز العرائس، كلّفه صاحب المتجر أن يلبس الدمى ملابس النوم التي تظهر مواطن الفتنة والإغراء ، رفض أن يخلع على "نادين"رداء " البيبي دول "(ملابس النوم القصيرة جدا والفاضحة)، لكن صاحب المتجر أرغمه على ذلك ، أذعن له ، وصار يخفيها خلفه ويكشّر غاضبا في وجه من يتأملها وهي في هذا الرداء الفاضح – خاصة الشباب - وأحيانا يكيل لهم الشتائم ، فيسخرون منه، قبع في الزاوية مقهورا، أخذ يراقبها ، خالها متعاطفة معه رغم كلّ مشاكله ، تشعر بصدق كلماته ، خالها تعرض له كل ملابس المحل لكن ما الفائدة هي مغلفة بالسواتر البلاستيكيّة والزجاجية ، الفتيات على الرصيف مغلفة بسواتر الأوراق النقدية ،الفتيات الجميلات على شاشات التلفاز مغلفة بسواترالموجات الكهرومغناطيسية ، هو يريد أمرأة واحدة، الفقر شله عن التفكير ، نيران الشبا ب تحرقه أجهده العرق ،ثار، غضب، قام إليها صفعها : أنت صورة للعرض فقط ، خال كلماته جرحتها وذرفت دموعا ، يريد كلمات ، يريد آهات ، لكن لا يمكن كل القيود كبلتها ، لكنه لايدرك ، لم يدر ماذا يفعل؟ غضب ثار، حمل هراوته وبعصبيّة جنونيّة كسّرها، بعثرها ،ثم لملمها ، ناحت مقلتاه و قلبه عليها ، وفي الصباح وجده صاحب المتجر ينتحب قربها ، قال له : أدري، كسرتها دون قصد ،اطمئن لن أخصم ثمنها من راتبك الشهري، بكتها أمه بحرقة وتمنت لو تعرّفت عليها قبل أن تنتهي قصة حبّه وأحلامه معها.

قصة قصيرة من إصدار المجموعة القصصية "حكايا النافذة" للكاتبة فاطمة يوسف عبد الرحيم



هناك تعليقان (2):