Translate


الأحد، أكتوبر 31، 2010

فلتسقط الحرية .. ولتحيا العبودية !


بقلم الكاتبة: زينب حفني - 2007

كثيرة تلك الصور التي تجعلنا نداري وجوهنا خجلا كلما مرت مشاهدها امام مخيلتنا، او لوح الغرباء بها امام انظارنا، في رغبة خبيثة لاماطة اللثام عن حقيقة امتنا العربية، فيعرون شخصيتها المهزوزة، ويفضحون على الملأ العيوب التي تملأ جسدها، حتى تكف هذه الامة عن التلاسن والتناحر، ورمي كل فئة اخطاءها في سلال الآخرين ! امة للأسف تعودت على لعق جراحها باستكانة الضعفاء،
وعلى رمي مطالبها ببرود في اقرب محرقة ثم تشعل النار فيها لتتحول الى رماد، بعدها تنتظر اول ريح تهب لتبعثر رمادها وتنسى ما لها وما عليها. امة عربية صارت تعيش في منطقة متأرجحة، بين فتونة مزيفة، ورجولة ناقصة، لا تعرف كيف تطالب، واذا طالبت فلا تعرف كيف تساوم، واذا ساومت فلا تعرف كيف تأخذ ما لها وتعطي ما عليها ! هذه هي اوضاع الامة العربية اليوم، لم تتعلم من تجاربها التاريخية سوى التلصص من ثقب الباب الذي بالكاد لا يبين سوى موقع اقدامها، دون ان تحاول القاء النظر الى البعيد لاستكشاف الحدود المرسومة، ومعرفة أين وصل بأهلها المآل، كأن الذي يجري من حولها لا يدخل في دائرة اختصاصها كأمة عربية مسلمة ! عندما نفضت امريكا يدها من افغانستان، واعلنت فوزها في القضاء على طالبان، لم تحاول الامة العربية المسلمة ان تتساءل وماذا بعد كل هذا الدمار؟ لم تُصدّع رأسها، ولم تستفسر عن المردودات السلبية لهذه الحرب التي راح ضحيتها اعداد كبيرة من المدنيين ؟ المهم في الامر ان امريكا شفت غليلها وانتقمت لكرامتها المهدرة رغم فشلها في القبض على بن لادن والملا عمر! ثم جاء دور الاعلام الغربي ليكمل تحضير الوجبة المحروقة في شكل خبر مقتضب يبعث على السخرية، فحواه ان المفوضية الاوروبية اطلقت برنامجا اذاعيا يوميا ترفيهيا من اذاعة كابول تحت عنوان «صباح الخير يا افغانستان». سخرت من الاسم معلقة بأنه كان من الافضل ان يطلق على البرنامج صباح الحزن يا افغانستان، ففي رأيي ان افغانستان ما زالت تتخبط في مستنقع مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كنت اتمنى لو قامت اذاعة كابول ببث برامج تتحدث عن المنازعات السياسية، نتيجة عودة القبائل للتناحر من أجل الاستحواذ على السلطة. كنت اتمنى ان تلقي الضوء على زراعة المخدرات التي تنتشر بشكل واسع في افغانستان، مع تأكيد الهيئة الدولية لمراقبة وتهريب المخدرات، ان انتاج المخدرات وتهريبها جزء لا يتجزأ من المجتمع الافغاني. كنت اتمنى ان تلقي الضوء على معاناة الشعب الحياتية من أجل توفير لقمة العيش، وسط مناخ قاس من الحرمان والضنك، واضطرار بعض الآباء بيع ابنائهم لسد جوع الاسرة. وقد نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» صورة لرجل افغاني قام بمقايضة ولديه مع أحد الاثرياء بتموين شهري من القمح. أليس هذا نوعا من الرق كان سائدا في عصور الجاهلية ؟ لقد عاود الظهور في العقود الأخيرة في بعض دول العالم الثالث، نتيجة الحروب والمجاعات التي التهمت خيراته وأقضت مضاجعه نتيجة انشغال الساسة بأطماعهم السلطوية على حساب أمن واستقرار اوطانهم. معظمنا يقدّر ظروف الاب الذي يدفع بأولاده الصغار الى العمل من أجل كسب لقمة العيش بطريق شريف. وجميعنا يتعاطف مع الاسر التي تحرم ابناءها من التعليم لعدم قدرتها على تغطية تكاليف تعليمهم، لكنني لم استوعب كيف يمكن ان يبيع الاب فلذات كبده لانعدام فرص الحياة. لا اعرف كيف يمكن ان يجرّد اب ولده من حريته، وهو يدرك في قرارة نفسه أن الحرية هي اثمن ما في الوجود، كونها هي التي تشعر الانسان بآدميته مهما تجرع من كؤوس الظلم، ومهما ذاق من مر الحرمان ! لكنني بعيدة عن هذه الأوضاع المأساوية، فلم يقرصني الجوع يوما في وطني، ولم اسمع طوال عمري هدير طائرة حربية، ولم يخترق أذني صوت القنابل ولم ترم بي الظروف في ارض تعجُ بضحايا المجاعات والحروب، لذا التمس الاعذار لهؤلاء الناس، واعتب على الامة العربية التي تقف موقف المتفرج أمام كل ما يحدث لهذا الشعب المسلم ! التقيت بسيدة افغانية مثقفة في لندن تشغلها هموم وطنها، طلبت مني السفر معها الى كابول لأرى بأم عيني ما يجري على حقيقته هناك، مؤكدة لي ان ما ينشر في الصحف ويعلن عنه في محطات الاذاعة لا يعبّر إلا عن جزء بسيط مما يجري على ارض الواقع. قالت لي ان الأمر لم يعد يتوقف على انتشار الرق وعودة العبودية، لكن في ظهور جمعيات تنصيرية تأخذ الاطفال المسلمين الذين قتل ذووهم في الحرب، وتدفع بهم الى اسر مسيحية تقوم بتبنيهم وتغيير ديانتهم، وتتم هذه العمليات في سرية تامة. قالت لي .. نحن شعب محكوم عليه بالموت كل يوم، واعتدنا الغوص في بحور من الدم حتى صرنا نؤمن بأن الاستقرار لن يعم يوما ارضنا. نريد ان تكون لنا كشعب الاحقية في اتخاذ قرارات تخص مصائرنا، لكن المشكلة ان الشعب لاهٍ في تضميد جراحه المعيشية، تائها على ارضه المخضبة بأحزانها. سألتها .. لماذا تعيشين هنا، وليس هناك وسط اهلك؟ لماذا لا تتبنين قضية وطنك من هناك ؟ قالت .. بالرغم من سلبيات الغرب الكثيرة، إلا انني هنا استطيع ان افعل شيئا. اذا صرخت يسمع الجميع صوتي، اما في بلدي فالصراخ رد فعل اعتيادي، يرتد صداه في حجرة نومي دون ان يلتفت اليه احد !. طرحت تساؤلات كثيرة، وسمعت آهات موجعة، خرجت بقناعة ذاتية ان التفكير في مصير هذا البلد مثل الكلمات المتقاطعة التي يتعب المرء من الدوران في زواياها ليضع الحروف المناسبة لها، وان الافضل طي صفحاته المتشابكة الى الابد، لكنني عدت مرة أخيرة للتساؤل .. ايهما افضل للانسان .. التمتع بحرية ناقصة الاهلية ام التمرغ في لقمة عيش مضمونة ؟ واذا اختار المرء طريق الكرامة ودرب الحرية، الا يصبح الموت لحظتها واقعا محتوما ؟ اعلم ان الموت في بعض الاحيان يكون راحة للكثير من المعذبين على الارض، لكن عندما يصبح الموت الحل الاوحد هنا تتحول الحرية الى هدف رخيص، ومن الصعب لحظتها اجبار الشعب الافغاني على اختيار طريق الحرية، فالجوع يشل حواس الانسان، ويضطره الى الوقوف على حافة الهاوية، صارخا بقوة وبملء حنجرته .. فلتسقط الحرية .. ولتحيا العبودية .. المهم ان اعيش .. اعيش!


هناك تعليقان (2):

  1. أعتقد أن هذا صحيح العتب كل العتب على الأمة العربية فقد تعلمت سابقاً ان الحكم على الشيء لايكون صحيحاً إلا بعد تجربته :(

    [انني هنا استطيع ان افعل شيئا. اذا صرخت يسمع الجميع صوتي، اما في بلدي فالصراخ رد فعل اعتيادي ]
    شيء مؤلم

    ردحذف
  2. بلو ابل .. كم يسعدني حضورك وتواجدك الدائم وتعليقاتك الجميلة فشكرا لك :)

    ردحذف