Translate


الأربعاء، أكتوبر 06، 2010

بشار بن برد



الصورة التي رسمها المترجمون لبشار بن برد أقرب ما تكون إلى أحدب نوتردام في القصة الأوربية المشهورة:( الجميلة والوحش).
ولكن من وراء هذه الصورة المعتمة يتفتق قبس من إنسانية الإنسان، وشفافية مرهفة جعلته يتصدر قائمة الشعراء العرب المطبوعين، وجعلت النساء في عصره يتهافتن على شعره الغزلي الرقيق، حتى اضطر المهدي إلى إسكات صوته خوفا على النساء الحرائر، فكيف يجتمع الجمال والقبح في شخص غريب الأطوار كبشار؟
مما جاء في ترجمته أنه كان أقبح الناس عمى، فقد كان جاحظ العينين يتدلى منهما شحم أحمر. وكان بالإضافة إلى عماه المرعب ضخما عظيم الخلق والوجه مجدورا. وذكر الجاحظ في الحيوان أن بشارا الأعمى لم يجزع من هجاء قط كجزعه من بيت حماد عجرد حيث يقول:
ويا أقبح من قرد ــ إذا ما عمي القرد
فقد كان بشار يعلم مع غزله المشهور بين النساء أن وجهه وجه قرد، بل قرد أعمى ومع ذلك عرف بشار بحبه الشديد لأسرته وبره الشديد بأخويه، وقد كانا معاقين مثله، كما كانوا ثلاثتهم مختلفي الآباء. ولذلك قال صفوان الأنصاري في هجاء بشار وإخوته، مخاطبا أمهم:
ولدت خلدا وذيخا في تشتمه
وبعده خزرا يشتد في الصعد
ثلاثة من ثلاث فرقوا فرقا
فاعرف بذلك عرق الخال في الولد

وشرح الجاحظ الألفاظ المقصودة بالهجاء فقال:
الخلد: ضرب من الجرذان يولد أعمى. والذيخ ذكر الضباع، وهو أعرج. والخزر ذكر الأرانب وهو قصير اليدين لا يلحقه الكلب في الصعد.
وقد تنمحي هذه الصورة التي رسمت لبشار إذا استحضرنا فقط شعره الإنساني الجميل، من غزله الذي يلا مس شغاف القلوب، وقد استعمل فيه الحوار وأسلوب تراسل الحواس قبل الرمزيين الأوربيين بزمان، قال:
ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم
الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

وقال أيضا:
يزهدني في حب عبدة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وما ارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب

هذا بشار مثال واحد لإنسان اجتمع فيه الجمال والقبح فهل أنصفه عصره؟! ، وفي كتاب ( نكت الهميان في نكت العميان ) للصفدي أخبار طويلة عن حكايات العميان. ولكن ما حكاياتنا اليوم معهم، وكيف تنقل أخبارهم؟



هناك تعليق واحد: