Translate


الثلاثاء، أكتوبر 05، 2010

كل شيء حول القصة العربية





منشأها – أصولها – أدواتها – كتابتها

أصول القصة ونشأتها
كثرت الأحاديث حول نشأة القصة العربية وأول من كتبها، فمنهم من أعاد القصة إلى أصول قديمة قدم الحضارات السامية كالبابلية والسومرية والكلدانية والآشورية وحتى الفرعونية عبر مخطوطات وكتابات كثيرة عثر عليها ؟!... وأنا لا أحبذ هذه الفكرة ولا اعتبرها صحيحة البتة لتأريخ القصة العربية وبداية لظهورها لأن المتعارف عليه على انه عربي هو ما نقل وقص وتداول وكتب باللغة العربية التي نعرفها.
وكون العرب في بداية ظهور لسانهم واستخدامهم له وتدوينه في أشعارهم ابتدءا من العصر الجاهلي فانا أحب اعتماد هذا العصر كبداية لظهور وتاريخ الأدب العربي شعرا كان أم نثرا. (قد لا يتفق البعض معي لاعتماده على دراسات حولها وقد أصيب فيما اذكر وقد يتفق بالصدفة مع ما نشر حولها.؟)
وأحبذ كثيرا أن تكون فكرة القص وأدب القصة أو الرواية موجودة ومتداولة لديهم حتى وان كانت منقولة أو مكتوبة شعرا (على عادة العرب في تداول وحفظ ونقل كتابتهم بالتواتر قبل النسخ وظهور المعلقات).
وأنا اعتبر بان الرسول محمد عليه الصلاة السلام هو رائد وأب القصة العربية بلا منازع.!
وبان القرآن الكريم هو أول كتاب يجمع بين صفحاته أروع وأجمل وأكمل ما كتب من القصص في اللغة العربية على الإطلاق. وكون العرب يجهلون القصة والرواية المكتوبة كنص اعتبروا القرآن في أول ظهوره شعرا وحاول المفسدون منهم العبث بآياته وقصصه بتقليده سجعا وفشلوا.! (قصة الفيل).
بعدها ومع ازدهار الحضارة العربية (بفضل الإسلام) وانتشارها واحتكاكها بالحضارات المجاورة لها بدأت الحكاية والقصة والرواية الشعبية تأخذ لها طريقا للظهور (عبر النقل أحيانا ككليلة ودمنة وألف ليلة وليلة أو التأليف مثل "التبر المَسبوك" للغزالي أو "سراج الملوك" للطرطوشي أو المقامات لأبي البديع الهمذاني) وهذا لا يعني بتاتا بان القصة لم تكن موجودة قبلا بل كانت محكية ومتداولة شعرا أو نثرا أو نصوصا تعتمد السجع وتناسق اللحن وتوافق نهايات الجمل.
والى زمن قريب كانت التربية عبر القص تعتمد في أساسها على الشعر (وربما لازالت موجودة في بعض البلاد العربية)
وأنا اذكر إلى الآن كيف كانت والدتي تؤدبنا وتربينا وتعطنا المثل الصالح لتعاملنا مع الغير شعرا (بحكم تواصلها مع والدي وتداول هذا الأخير للخبر شعرا مع محيطيه من العرب الوافدين إليه بحكم عمله)
فإذا ما أحبت أن تنهني عن أمر وتنصحني بغيرة ذكرت لي بيتا من الشعر وإذا ما أحبت أن تشكي هما أو تندب حظا أو تعترض على أي أمر من أمور الدنيا ذكرته شعرا وهكذا فهي تستطيع وبطريقة غير مباشرة أن تغيظ أعدائها وتنتصر لنفسها أو تعبر عن أمانيها أو حتى حنينها أو حبها لزوجها شعرا وكنا نفهم بعضه ولا نفهم البعض الأخر لان للراوي معان يوصل منها ما يشاء ويمنع عن السامع إذا أراد وبلكنة خفيفة ما يشاء.!
وهكذا كانت القصة اسمعها قصائد من الشعر الطويل تلهب الخيال وتثير المشاعر ولا تتركك إلا وأنت غارق بأحلامك لا تستفيق منها إلا استجابة لدمعة دافئة تسخن وجنتيك أو ابتسامة كبيرة تظهر ناجزيك.؟!
أما إذا أحببنا أن نعود إلى القصة كقصة (نوع أدبي مستقل عن المقامة أو الأمثال أو الرواية أو الشعر) كما هو متعارف عليها الآن فتاريخها قريب جدا لا يتعدى المائة عام الماضية وحالها كحال المسرح -رغم قدمه- لم يعترف به ويؤرخ ككتابة مستقلة عن القصة والرواية إلا منذ خمسين عاما والى زمن قريب كنت اقرأ لتوفيق الحكيم فلا يذكر القص أو المسرح إلا بعبارات متلازمة (رواية مسرحية - قصة شعرية) وهو حال القصة القصيرة والقصيرة جدا (العربية منها) فهي حديثة العهد جدا ولازالت حسب رأيي الشخصي (في تحديد هويتها) في طور التكوين ولم ترى النور بعد.

تعريف القصة وخصائصها وأدواتها:
القصة (حسب اجتهادي وباختصار شديد) هي الحكاية والخبر المحبوك بدقة ضمن شروط الزمان والمكان وتعتمد على سعة الخيال ويكون لها معنى وهدف واضح.
وأجودها ما تكون قادرة على تلبية المطالب الذهنية والنفسية والروحية للقارئ وتستطيع من خلال سطورها أن تثير المشاعر على أنواعها من كره وحب أو غضب و فرح أو استفهام وتساؤل.؟!
وخصائصها معروفة وشائعة وهي ثلاث المقدمة ووسط الموضوع (العقدة - لحظة التنوير) والنهاية (الحل أو العبرة منها)
أما أدواتها فهي أولا وقبل كل شيء الكاتب الموهوب وورقة وقلم (اللغة) وكتاب (الثقافة - البيئة).

القصة والحكاية والخبر:
تبدأ القصة دائما بخبر عن حادثة وقعت نعبر عنه بما نمتلكه من وسائل للقص كاللسان - إذا ما كانت القصة محكية - ويعتمد قوة القص والتأثير ونجاح القصة في جني ما نريده لها من اهتمام عما نضيفه عليها من براعة في التعبير بتحريك الأيدي أحيانا، أو بنظرات العيون نستشف منها الخوف أو الغضب، أو بتغير نبرة الصوت كاشفين فيما بين الشفاه عما ينذر بالحزن أو يدخل إلى القلب الفرح.
وذلك بتطور الأحداث التي نقوم بسردها معتمدين على ردة فعل المتلقي في إقرار وتأكيد لجملة هزت النفس، أو الاستغناء عنها إذا لم تفعل تأثيرها المطلوب فيهم واستبدالها بغيرها، حتى نقع على الصحيح منها ونثبت ما نجح وترك عند السامع من الأثر.
لتصبح القصة كاملة بخطوطها وشخوصها. ولما لا ببعض الخيال الذي يتجاوز المعقول طالما هذا ما يرضي الأكثرية ويفيد في حمل الفائدة والعبرة ونجاح الخبر.
وابرع الحكاة ونقال الخبر وتحويله إلى قصة ناجحة هم الأب والأم في مهمة التأديب والتربية حيث تأخذ القصة المنحى المطلوب منها في تأدية الخبر وفي بعض الأحيان جذب للطفل وكسب ولاءه وطاعته لدفع مكروه عنه أو نجاح يأملونه له.
ومن ثم الجدة ومن خلال قصصها المليئة بالبساطة والخيال متعمدة الإطالة والإثارة - في بعض الأحيان- لحمل المستمعين إليها البقاء أكثر وقت ممكن إلى جانبها حاملة إليهم بعض من أحلامها وأمالها وتصورها للحياة بما امتلكته من خبرة وعايشته من تجربة ... وقد تسرد عليك حياتها ببراعة دون أن تنتبه .... فتكسب الولاء الذي تريد والطاعة المقصودة والاحترام المطلوب.!
ففي شخصياتها دائما انعكاس لذاتها. وصورة عن تجربتها، تلبس من تكره من شخوصها ثوب الشر والظلم ومن تحبه منهم ثوب الطهارة والعفة والكرم. ولا يخلى من كل ما تبتدعه من عبرة أو هدف.
أما عند العامة فلقد برع الحكاة الشعبيين في القص... والى زمن قريب جدا -قبل انتشار الراديو والسينما والتلفزيون- كان الحكاة الشعبيين ينتهزون الفرصة في اجتماع العامة حولهم -لسماع وتتبع أخبار أبطالهم المشهورين (عنترة وعبلة وأبو زيد الهلالي)- لكي يظهروا براعتهم في الأداء ومقدرتهم على التأثير بإضافات ليس لها علاقة بالنص. وقد تصل قمة التأثر وتوهج المشاعر من الملقي حد الصراخ أو البكاء وفي أحيان كثيرة الفرح، فيأخذ بالمستمعين إليه وحسب حذقه ومهارته إلى عوالم من الخيال تجدهم فيه فاقدين للوعي، لا يسمح لغيره بالحركة أو التكلم أو إبداء ردة فعل حتى ينهي حديثه. والذي قد يشبه في إحدى مراحله الخطابة. وقد ينتهي في أحيان أخرى بالعراك لخلاف بين فريقين في التعاطف مع من يعتبرونه حقا أو باطلا.؟!
وهذا كله يفرح القاص (الحكواتي) ويزده فخرا وغرورا لأنه لا يتمتع بمقدرته على اللعب بشخصياته التي يخترعها فقط بل يؤثر أيضا على الجمهور. فهو من يمتلك مشاعرهم ويقودهم كالأغنام إلى حيث يريد لكي يوصل لهم من الحكاية ما يشاء ويقطعهم عنها متى أراد بما يشبه الحلقات التلفزيونية اليوم فهم أول مبتكريها بلا شك ولا منازع.؟!
والى عهد قريب أيضا كنت استمتع برفقة من يجتمع من الأقارب أو أهل الحي بالاستماع إلى الحكواتي المتجول مع صندوقه السحري المزخرف.؟! ولا زلت اذكر إلى اليوم كيف كنت أقف مسحورا أمام صندوقه، انتظر دوري ولا اصدق بأنني سأرى واسمع حكاية بالصوت والصورة.؟! وعندما جلست لأول مرة وقد أحطت النافذة الزجاجية المكبرة بكلتا يدي - مظللا إياها من الشمس راغبا رؤية أفضل للصورة وهي تمشي ببطء وتناسق مع الحكاية التي يلقيها علينا- خلت نفسي في عالم آخر.! وكنت وفي كل مرة أعود إلى صندوقه لأرى واسمع القصة من جديد، اكتشف ومن خلال الصور ذاتها قصة جديدة وحكاية جديدة ونهاية جديدة وكأنني أراها واسمعها لأول مرة.؟! وهذا لعمري هو ما يبرز مهارة القاص وقوة حجته ومتانة نصه وسعة خياله.
وبالرغم من المحاولات الجديدة التي يقومون بها الآن من إعادة الماضي (كفلكلور) بالمناسبات العامة كشهر رمضان وتكليف ممثلين بارعين وقراء محترفين بالقيام بدور الحكواتي على مسرح ظاهر ومضاء وملون إلا أنهم فشلوا في استحضار الحماس المطلوب له.؟! فلكل زمان رجال ونكهة وموضوع وقصة وروح ومكانة لا تستطيع أي إمكانيات معاصرة من استحضارها وتكرارها لأنها تنتمي بخصائصها وثقافتها وخيالها لزمن وذاكرة وتاريخ مضى.!.... هي كالنهر الجاري لا نستطيع أن نسبح في مياهه ذاتها لمرتين.؟!

كثرت المسميات للدلالة على القصة:
كثرت المسميات للدلالة والتعريف بالأنواع الأدبية الكثيرة التي عنت الحكاية أو القصة ورصدتها ونقلتها وتوسعت فيها. ابتداء من الخبر كحدث ينقل لذاته (كأخبار الحروب والغزوات " داحس والغبراء- غزوات الرسول - حرب البسوس". الخ) أو لنؤرخ به الحدث (ككتابة التاريخ) مرورا بالرواية (التي تقوم على العناية بالشخوص وتطورها مع وصف موسع للزمان والمكان) وانتهاء بالمسرحية (والتي تهتم بالحوار بشكل خاص). وإذا أحببتم أنا سأبسط الأمر بتصوير الأنواع الأدبية التي تهتم بالقص والسرد وكأنها هرم يبدأ بالتسلسل التالي:
الخبر - الحكاية - القصة - الرواية - المسرح
الخبر: وعنه ننقل الأحداث ونؤرخ به (وبالرغم كون الخبر يمكن أن ينقل كحكاية أو أقصوصة وقد يتطور ليصبح رواية إلا انه يحافظ على خاصيته كخبر كونه لا يعتمد على خصائص الأنواع الأدبية الأخرى من وصف للمكان والزمان والتعمق في تحليل الشخصيات.)
الحكاية: ومنها الملحمة والأساطير وهي روح الشعب المعبرة عن تطلعاته وأحلامه وتعكس صورة عن طموحاته وأمانيه (تعتمد بالإضافة لعناصر القصة على الخيال وتعدد الشخصيات وعدم محدودية المكان والزمان)
والقصة: ويتفرع عنها القصة القصيرة والقصيرة جدا (وهي محدد بعناصرها المعروفة من الزمان والمكان والشخصية والحبكة والحوار والسرد والعقدة والحل.)
القصة القصيرة والقصيرة جدا: (الأقصوصة "تتبع في حالاتها الكثيرة الحتوتة والطرفة والمقامة والمثل وقد تختلط مع المقالة والخاطرة وقد تقترب كثيرا من الشعر")
والرواية: ومنها الرواية القصيرة (تقوم على تعدد الأجزاء والفصول والأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة)
الرواية القصيرة: (وهي تقترب من القصة القصيرة و الحتوتة وتحتوي على الكثير من الخيال)
وأخيرا المسرح: (وهو ينفرد بتكثيف الحوار بالرغم من انه يحتوي كل العناصر الموجودة في الأنواع الأدبية الأخرى)
هذا طبعا بالإضافة للشعر والذي هو أساس كل الأنواع الأدبية عند العرب وهو يحتملها كلها باختلاف أزمنتها وأمكنتها وشخوصها وواقعيتها أو غرقها بالخيال.
فنحن نستطيع كتابة الخبر والحكاية والأسطورة والملحمة والقصة والرواية والمسرح شعرا إذا أحببنا دون أي حرج (كما في ملاحم "عنترة" و "الزير سالم" و "سيف بن ذي يزن" و"حمزة البهلوان" و "الأميرة ذات الهمة" و "الظاهر بيبرس" و "تغريبة بنى هلال") أو (مسرحية "مجنون ليلى" لأحمد شوقي)

القصة والأصناف الأدبية الأخرى
القصة وعلاقتها بالأصناف الأدبية الأخرى:
وحتى لا نضيع في التعقيد الشديد الذي تناول به الدارسون والباحثون والمختصون بالأدب في شرحهم للأشكال الأدبية وتصنيفهم لأنواعها حتى بدا لي وكأنهم يعيشون حالة من الهذيان والفوضى ولم تفضي كل ما أضافوه من شرح وبيان وتصنيف مدعومة بالأمثلة وموثقة بالشواهد إلى أي نتيجة تأخذ بالسائل إلى شرح مبسط ومنطقي لتلك الأشكال الأدبية من قصة ورواية ومسرح وما يشتق منها.
وأنا في كل الأحوال لا اتفق معهم بتاتا في هذا الشطط بالتعريف والذي يؤدي في النهاية إلى الخلط فيما بينها وهذا ما دعاني لان اعتبر -من خلال تعريفي السابق - بان القصة القصيرة حسب تعريفهم لم تشهد النور بعد.
لان الموضوع بسيط جدا بالنسبة لي ... فنحن نكتب الرواية بأجزائها وفصولها المتعددة وأزمنتها وأمكنتها وشخوصها التي لا حدود لها بما نمتلكه من خيال خصب وتصوير رائع وموهبة فذة تقود إلى حمل القارئ على الاستمتاع بمطالعتها واستخلاص الفائدة والعبرة منها.
فان استغنينا عن أجزاءها وفصولها وتحددت أمكنتها وأزمنتها وحافظنا على ما تحتويه الرواية من خصائص (المقدمة والحبكة ووسط الموضوع "لحظة التنوير" والنهاية " حاملا المتعة والحل " نكون قد كتبنا القصة)
والقصة القصيرة والقصيرة جدا يجب وحسب رأيي الشخصي ألا تخرج عن هذه الخصائص إلا كونها " قصيرة" تضغط كل المقومات والعناصر الموجودة بالقصة ولا تلغيها وهكذا تكتسب اسمها ومعناها الحقيقي (القصة القصيرة)
وألا خرجنا بمسخ قصصي ونص مشوه لا يحمل أي دليل على وجود قصة إلا كونها تقليد أعمى للترجمات الأوروبية للقصة القصيرة والتي لا تشبه بأي حال من الأحوال القصة العربية لأننا نحن النبع والأصل وهم المقتبسون. ومن هذا المنطلق أنا اتفق في تقييم القصص القصيرة لكثير من الأدباء الذين حافظوا على خصائص القصة ولكن بتركيز وتكثيف شديد وعبقرية فذة في التقاط الحدث وتصويره وتحقيق الفائدة المرجوة من سرده كقصص " ذكريا تامر " و " يوسف ادريس" وغيرهم كثير. وهذا على ما اعتقد ما وضع القصة القصيرة والقصيرة جدا في اللبس والخلط مع الأجناس الأدبية الأخرى وعدم التوصل إلى الآن لوصف محدد لها فهي تأخذ من الأجناس كلها ولا تنتمي لأي منها.
الفرق بين القصة والحكاية وما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما ؟
إذا عدنا إلى تعريف القصة اللفظي فهي: (أحدوثة شائعة مروية أو مكتوبة يقصد بها الإقناع أو الإفادة)
وفي تعريف أخر هي: (تروي حدثا بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية أو الكتابة ويقصد بها خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها وتضافر أحداثها وأجوائها التخيلية أو الواقعية.)
أما الحكاية: (فهي تختلف عن القصة في تعدد الأحداث وتنوع الشخوص وتباين الأزمنة والأمكنة واتساعها اتساعا يخرجها عن إطار القصة مع احتفاظها بكل خصائصها.)
(وهي غالبا ما تكون صدى لروح الشعب تجسد أمانيه وطموحاته وتعكس روحه الاجتماعية وتلبي طلباته ورغباته الأخلاقية والثقافية والدينية.) فإذا عدنا إلى تعريفي السابق للقصة: (القصة هي الحكاية والخبر المحبوك بدقة ضمن شروط الزمان والمكان وتعتمد على سعة الخيال ويكون لها معنى وهدف واضح.) نجد بأنها تلتقي مع القصة من حيث الشكل وتختلف عنها من حيث الروح والمضمون.
مراحل كتابة القصة
القصة ومراحل كتابتها:
الكاتب الموهوب لا يحتاج إلى إتباع مراحل معينة للكتابة فهو يسخر العوامل الخارجية له ولموضوعه ولا يخضع لها. ويلزمه في ذلك الثقة التامة بنفسه وإيمانه العميق بالموضوع الذي يطرحه وهو لذلك قد يتبع أساليب عدة للوصول إلى نفس الهدف.
ا- فإما أن يبدأ باختيار الشخصية (البطل) ثم يضعها في محيطها العام ويدخلها في الموضوع الذي يريد أن يعالجه.
ب- أو يبدأ من الموضوع ذاته (القصة) ثم يتناول من خلالها الشخصيات ويرسم المحيط ويصف المكان والزمان.
ج- أو يدخل مباشرة في وصف المحيط العام (الأسرة أو المجتمع) ومن ثم يدخل الشخصيات ضمن سياق القصة ببراعته في حبك الموضوع وصولا به إلى النهاية التي يريدها.

عناصر القصة الأخرى:
إذا سلمنا جدلا بتعريف " أرسطو " للقصة واشتراطه أن يكون لها بـداية (الموضوع) ووسط (العقدة أو لحظة التنوير) ونهاية (وتشمل الحل) فعلينا آلا نغفل عن وجود عناصر مهمة -متعارف عليها- وعلى صلة بها تتضمن وصفا أكثر شمولا ودقة للحدث والشخصيات (حالتها النفسية) والحبكة ووصف للزمان والمكان والبيئة وصولا بها إلى النهاية. وهكذا نكون قد أعطينا القصة حقها من الوصف ولا يبقى لنا سوى تناولها بتفصيل اكبر لنستعين بها في كتابة قصة كاملة المواصفات والشروط.
أولا: اختيار شخصية البطل يحتم على الكاتب أن يكون مقتنعا بها ملما بكل عاداتها وتصرفاتها بما يتلاءم مع دورها بالحياة (كبير أو صغير السن مكانته في الأسرة والمجتمع، الخ) قادرا على إعطاءها اللغة التي تناسب ثقافتها ومركزها الاجتماعي (طبيب، عامل، مدرس، فلاح، الخ) ولا يمنع أبدا من أن ينتحل الكاتب شخصيته فيقوم بدوره في الصراع الدرامي الذي يكلفه به مبرزا وجهة نظره وموقفه مما قد يتعرض له من قبول أو رفض من الآخرين.! فيكون الطفل الساذج والفتاة الخجولة والشيخ الحكيم والشاب العاشق الحالم ذو طموح والعابث المتمرد الجسور وقد يضطر لان يتسلل إلى ورشته التي يعمل بها، أو حقله وربما بيته الذي يسكنه،... يحزن لحزنه ويفرح لفرحه، أو يتعرض للتحقيق والضرب والإهانة ويدخل سجنه وينام في فراشه مثله تماما. ولا يضيره -إذا ما كان متمكنا- من أن تكون شخصية بطله تخالف جنسه فهو القادر دائما على التأقلم مع الحدث والمحيط والأفراد. وممكن جدا أن يكتفي الكاتب من دور المشاهد يتصرف كالراوي راصدا القلق في العيون والحيرة والتساؤل في حركات الأيدي والتعب والإرهاق في ترنح الجسد،... والمرض في اصفرار الوجه،... والتعبير عن الألم والخوف من خلال العويل والصراخ ... أو السرور والفرح بالابتسامة التي تطفو على الوجه أو رنين الضحكة الخارجة من بين الشفاه.! الخ...فهو لا يقترب من شخوصه إلا بالقدر الذي يمتعه ويرضيه.
ثانيا: الموضوع وهو أساس القصة فنحن نختاره ونستجلب مادته الخام من الحياة والمجتمع المحيط بنا وقد يكون نقلا عن حادثة أو خبر أو قضية قد شغلت عقل وتفكير الكاتب فيجعله في مقدمة القصة ويبدأ في توزيع الأدوار فيها بما يتناسب مع تصوره،... وقد يضيف الكثير عليه وقد يختلقه كله،... وقد يضطر لان يصادق حيوانات الغابة ووحوشها وطيورها ونباتاتها فيحلق بأجنحتها كالعصافير ويسافر على ظهر السحاب كالفراشات ويتسرب بين حبات الرمل والحصى مادا جذوره في الأرض كالنباتات فيتعرض للدهس والصيد والمطاردة والاختناق والموت مثلها تماما.؟! فهو يريد بكل الأحوال أن يكون لسان حالهم يعيش بينهم ومعهم يحلم مثلهم ويموت مثلهم وقد يتعرض للانقراض مثلهم.!
ثالثا: المحيط العام أو البيئة وهو المكان الذي يختاره الكاتب لعرض قصته وتحرك شخوصه سواء كان عاما أو خاصا (المنزل أو المصنع، في الشارع أو الحقل، في الطائرة أو على ظهر مركب في بحر. الخ) وهنا تكمن أهمية إظهار حدود المكان والزمان في القصة.
فمن ناحية المكان: فالكاتب لا يرى الأمور كما يراها غيره من الناس فهو يمتلك عين ثاقبة في رصد التفاصيل الدقيقة للمكان الذي يحيط به ولهذا نراه شديد الانشغال بها حد الهوس (تفاصيل الغرفة وألوان الستائر ونوع العفش، الأنوار والظلال، روعة الغيوم وهي تحتضن التلال وهيبة الوديان السحيقة وما يرتفع فوقها من جبال ورقة النجوم وهي تزين السماء. الخ) حتى انه لا يتوانى من نقلها ونقل الأصوات (كصرير الباب أو خشخشة سنابل القمح اليابسة أو طقطقة الأخشاب وهي تحترق في الموقد أو صفير الريح وهدير الأمواج. الخ.؟ ) إلى قصصه ليجعلك تعيش اللحظات تلك وكأنك حبيس المكان بأضوائه وضوضاءه.
وأما الزمان: فيكفي أن يحدد الوقت ليشعرك به وبدلالاته فإذا ما كان في الصباح فانك تدرك مباشرة ما يحمله من صفة (صياح الديك وشروق الشمس، زقزقة العصافير، حركة الناس وهم يهمون بالذهاب إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم،... حتى انك تشمم رائحة الخبز وهي تتسرب من الفرن وصياح الباعة في سوق الخضار. الخ)
ويكفي أن يذكر الظهيرة حتى تعج الشوارع بالمارة ويملا المكان ضجيج الحافلات وقد اختلط بأصوات الباعة وتشعر باختفاء الظلال فالشمس مستقيمة فوق الرؤوس والفلاحين في الحقول المجاورة مالوا للراحة تحت فيء شجرة يتبادلون الحديث أو يتناولون الشاي. الخ .. وهكذا فترة المساء أو ذكر ساعات محدد من الليل توحي للقارئ بالهدوء والسكينة العامرة بالخشعة والإيمان. أو قد توقظ لديه حاسة الخوف مما قد يواجهه من مجهول في الظلام، (وقد يرصد عيون لامعة تختبئ بين حاويات القمامة أو ضوء من نافذة ينبعث منها صوت موسيقى حزينة تدل على وجود عاشق متيم،.... أو يذهب بك الخيال حد تصور اللصوص وهم يتسلقون الجدران أو أنين مخمور يترنح تحت وطأة ثقل رأسه وتعثر لسانه.) فالليل يخبئ المفاجآت ويستر شذوذ الخلق والكائنات ويملأ الخيال بقصص بنات الهوى المظلومات منهن أو الفاجرات. وعلى هذا فالزمان والمكان يعكس -حسب البيئة التي يختارها الكاتب- صورة المجتمع الذي يريد التحدث عنه. وما عليه إلا أن يعمل في تلك الصور خياله وقلمه وبأسلوبه المميز ليصنع قصته المطلوبة.
رابعا: اختيار الحبكة المناسبة للقصة وهي تشبه الإخراج عند العاملين في السينما وعلى هذا ولكي تكون القصة مشوقة وناجحة في نقل الأحداث يجب أن تكون ذو حبكة موفقة تربط بين عناصر القصة جميعها بشكل يبدو وكأنها حدثت فعلا. وهي في العادة تتناول العقدة التي تكون قد تطورت من خلال الأحداث وتداخل الشخوص لتكشف عن اللحظة الحاسمة من مواجهة الحقيقة وهذا ما يسمونه (لحظة التنوير) قبل الشروع بتناول الحل. وقد تستطيع بمهارتك الغير عادية من إقناع القارئ باحتمال حدوثها حتى وان كانت مشبعة بالخيال وغير منطقية،...فالمنطق يفقد مبرراته عندما يستمتع القارئ بنص يرضيه ويرضي أحلامه وطموحاته (كاستخدام طاقية الإخفاء بحيث نفعل ما نريد دون أن يرانا احد أو استحضارنا لجني ليحضر حبيبة لنا من أقاصي الأرض أو ليخلص لنا من السجن صديق أو قريب عزيز على قلوبنا ... أو ليعيد إلى الحياة من نرغب برؤيته وإقامة حوار معه ....الخ)
خامسا: العمل من خلال القصة على نقل الأفكار التي تحب إيصالها للقارئ (الدفاع عن المظلومين، كشف عيوب المجتمع وظلمه ومحاربة بعض العادات الشنيعة كالأخذ بالثأر أو تسلط الذكور على إخوتهن البنات وزواجهن المبكر أو حرمان الأطفال من التعليم وتسخيرهم في الأعمال الشاقة أو ببساطة طرح قصة حالمة تجمع بين قلبين مشاعر الحب وصراعهم مع ظروفهم القاهرة وغيرها الكثير وقد يضطر الكاتب إلى استخدام الرموز إذا ما كان الموضوع الذي يتناوله يتطرق إلى المحرمات أو التصدي للسلطة السياسية في مجتمع يفتقر إلى الحريات العامة ...الخ)
سادسا: وأخيرا اختيار النهاية وهي لا تقل أهمية عن أي من العناصر الأخرى بالقصة بل قد تفوقها أهمية خاصة إذا ما كانت تتركز فيها جميع الخيوط بحيث يصبح لزاما على القارئ متابعتها وحتى طرح الأسئلة حولها. وقد يشارك من حيث لا يدري بالبحث عن الحل وقد يفاجأ بما لا يتوقعه بحيث يتركه الكاتب رهن لتفسير خاص به يتناسب مع ثقافته وفهمه ووضعه الاجتماعي. فنجد الأسى وقد نال من قارئ مثقف ومتسامح لنهاية تعيسة لعاشقة متيمة.؟...في حين نشعر بابتسامة النصر بادية على ثغر رجل بسيط لعدالة أرادها جوابا عن عشق محرم. وهكذا يستقبل كل قارئ القصة ونهايتها الوحيدة بالقدر الذي يمتلكه من ثقافة وحكمة وما ناله من تربية.
وخير وأقوى القصص من امتلكت في نهايتها عبرة وهدف وحكمة تفضي إلى ما هو مطلوب منها.
المهم هو أن يأخذ كاتب القصة حريته في القص دون أن يتقيد بأي من الشروط.!.... فطالما أن خياله خصب وينتج الأحداث والشخصيات ويستطيع أن يديرها بمهارة ويرسمها بدقة ويصف محيطها بريشة فنان -حالم أو ثائر- تبعث وتثير المشاعر في النفس دون أي صعوبة حتى يصل بها إلى النهاية المطلوبة فانا لا أجد سببا في التوقف واختصار الحدث والزمان والمكان لتحويل قصة كاملة أو رواية رائعة إلى مسخ قصصي خال من المعنى لمجرد تحويله إلى قصة قصيرة. وأفضل بدلا من ذلك أن نكتب قصصنا القصيرة بحياد مطلق من الرأس حتى أخمص القدمين. وإذا وقعنا في الفخ مرة ثانية واطلنا في الوصف لننتج قصة طويلة أو رواية فلنتابع ذلك حتى يستوي لنا الأمر بمفرده وتحثنا الرغبة في كتابة عمل قصير يناسب القصة القصيرة.؟! لأن القصة القصيرة لا تحتمل أكثر من لحظة عابرة وحدث واحد وشخوص محددة تتكاثف معها كل خصائص القصة المعروفة.
أي وبكل بساطة هو أن يكون مميزا بنفسه وأفكاره وأدواته ونظرته إلى الناس والأشياء التي حوله.؟...كثير التساؤل،... فضولي،... ويتمتع بذلك الحس المرهف الذي يدفعه دائما لخوض المجهول للوقوف على الحقيقة والدفاع عنها طارحا على نفسه أسئلة محددة ومهمة وهي لماذا اكتب.؟ لمن اكتب.؟ وفي أي موضوع اكتب.؟

لماذا اكتب.؟ لمن اكتب.؟ وفي أي موضوع اكتب.؟
نحن عرفنا بأن كاتب القصة يهدف من وراء قصصه إلى نقل حادثة معينة بلغة أدبية راقية تخلق المتعة في نفس القارئ من خلال أسلوبها وتماسك أفكارها وحسن حبكتها ودقة رسم شخوصها وأحداثها وأجواءها الخيالية أو الواقعية وتفضي إلى عبرة وحل.
إذا نحن نكتب لحمل المتعة والفائدة معا.
وهو على الغالب يتوجه إلى جمهور القراء من الشعب فهم هدفه الأول والأخير من الكتابة وعليه فيجب أن تكون كتاباته حاملة ومترجمة لأحلامهم وطموحاتهم وأمانيهم، تخرجهم من حيرتهم في العثور على حل يرضيهم لكل مشكلة تعترضهم، وقد يأخذ بيدهم نحو الانتفاضة والثورة ونيل الاستقلال والحرية إذا ما كان مستعبدا أو أسيرا ؟! ...ولهذا فمواضيعه هي انعكاس للمشهد اليومي الذي يعيشه مع محيطه وصلة الوصل بينه وبين العالم الخارجي.
قد يتساءل احدنا ألا يمكن أن نكتب على سبيل التسلية والترفيه عن النفس.؟
وأجيب: ولما لا ولكن هذا يبعدنا عن خط الالتزام بالهم العام ويفقدنا التأثير المطلوب على الجمهور ولا يعطنا حقوق الكاتب المميز الذي يسعى إلى إيصال رسالته إلى الآخرين.
فنحن بكل بساطة لا نكتب قصة -وهو محور حديثنا- بل نكتب أعمالا شخصية بحتة ومنها المذكرات أو اليوميات وقد تثير اهتمام البعض إذا ما تناولت شانا يمسهم أو يناقش أمرا يشاركونك مشاعرك فيه وقد يتحول إلى عمل أدبي بامتياز إذا ما صيغ بلغة أدبية رشيقة وتميز بخيال خصب (كالكتابة الخيالية) وحمل الفائدة المرجوة في المتعة والحصول على العبرة والحل.؟

خطوات كتابة عمل أدبي ناجح:
ا- أولى الخطوات آلا يكون كاتب القصة عجولا ولجوجا فمن خصائص الكاتب الناجح هو التمهل والتمعن طويلا فيما يكتب وإذا استعصى عليه عبارة ما أن يترك مكانها شاغرا بنقاط عدة أو ملاحظة تفيد المعنى ليعود إليها فيما بعد حتى لا يفقد سلسلة أفكاره.؟
وإذا كانت أفكاره أسرع من يده وقلمه وتدفقت بعض الخواطر الجديدة العارضة تبحث عن مكان ليس لها في جملة ما أو سطر (وهذا ما يحدث غالبا عندما تنهال علينا الأفكار فجأة) فليستعن بترك ملاحظات وحواشي على ورقة جانبية يعود إليها لوضعها في مكانها الصحيح.
ب- اختيار الموضوع المناسب: وهو في الغالب يعكس همنا الخاص في بحثنا عن الكمال في الغير والمحيط والعدالة المفقودة وقد يكون وليد مشهد ما أو حادثة عابرة مؤثرة أو بكل بساطة نتيجة الهام يسقط علينا فجأة ودون أي موعد مسبق. والإلهام هذا الهابط علينا من الغيب هي أعلى درجات الخلق والتصوير. من ناحية ثانية وعودة إلى اختيار الموضوع المناسب، فأنا لا زلت اذكر إلى الآن أولى تجاربي في كتابة القصة من خلال مطالعتي لصفحة الأخبار والحوادث بالصحف حيث كنت انقل الحوادث المؤثرة فابني عليها قصتي بعد أن أشكل عناصرها بدقة فإما أن انهها كما انتهت على حقيقتها أو أنحو منحى العثور على الأعذار للفاعل بتحليل دقيق لشخصيته وظروفه الاجتماعية أو اترك الحل معلقا غامضا يثير السؤال ويترك القارئ بين الشك واليقين بما حدث.؟
ج- الأسلوب المناسب في استخدام اللغة القوية البليغة بحيث نؤثر باختيارنا لمفرداتها المعبرة والبسيطة بنفس الوقت على مشاعر القارئ وهذا ما يسمونه بالسهل الممتنع وهو يختصر ببراعة الكاتب في صياغة نصه بإتقان فريد بعيد عن التعقيد سهل الفهم وبليغ العبارة.وهكذا نخرج بنص بليغ وبسيط ويحمل الهدف الذي كتب لأجله والفائدة المرجوة منه.

 يحيى الصوفي أديب وكاتب صحفي مؤسس ورئيس تحرير موقعي القصة السورية والمحيط للأدب






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق