Translate


الاثنين، أكتوبر 11، 2010

د. ابو الشوارب : يبحث عن الوجه الاخر ل خليل مطران ..




كتب ـ أحمد فضل شبلول

لم يكن خليل مطران شاعرا فذا فحسب، ولكنه كان أيضا ناقدا ومتحدثا ومترجما وكاتبا صحفيا وإداريا واقتصاديا وغير ذلك من الوجوه اللامعة في شخصية شاعر القطرين خليل مطران. وقد بحث الناقد والشاعر الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب عن كل هذه الوجوه في شخصية مطران، وتوقف طويلا عند الكتابات النقدية لخليل مطران، أي عند وجه الناقد في تلك الشخصية المطرانية التي شرَّقت وغرَّبت وغاصت في التراث وكتبت عن المعاصرين، ونظَّرت وطبَّقت، وتركت لنا تراثا نقديا حافلا بالقضايا الأدبية القيمة.

وإسهاما منها في الكشف عن وجه الناقد في شخصية خليل مطران، وبمناسبة انعقاد الدورة الثانية عشرة من دورات مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بالعاصمة البوسنوية سراييفو (دورة خليل مطران ومحمد علي/ماك دزدار)، أصدرت المؤسسة سفرا أدبيا وقع في حوالي خمسمائة صفحة جمعه ورتبه وعلَّق عليه د. محمد مصطفى أبوشوارب.

يقول الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصديره لهذا السفر الأدبي "سيطول بنا التصدير لو أشرنا إلى كل شيء عن هذا العملاق الشعري والأدبي والصحفي، وباختصار إن هذا العملاق متعدد المهارات الإبداعية. ويحق لكل قارئ وباحث بل ولأي إنسان ناطق بالضاد أن يفخر بهذا المبدع الكبير، فخره بآخرين ممن كتبوا شعرا ونثرا وصحافة واعتنت بهم المؤسسة في دوراتها".

ويطلعنا د. أبوشوارب في مقدمته لكتاب "خليل مطران .. الوجه الآخر .. الكتابات النقدية" عن سر تعلقه منذ كان طالبا بشاعر القطرين، ومنذ قراءته لقصيدته الشهيرة "المساء" في المرحلة الثانوية، ثم عند التحاقه بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، متوقفا عند كتاب "التجديد في شعر خليل مطران" للدكتور سعيد منصور، مكتشفا شخصية خليل مطران الفنان والإنسان؛ بكل ما تتميز به من غنى وعمق وألوان متعددة وظلال كثيفة.

غير أن وجه مطران الشاعر ظلَّ مشعا ومبهرا وحاجبا وجوها أخرى في شخصيته بالنسبة للباحث أبوشوارب، إلى أن بدا وجه الناقد في شخصية مطران يتكشف شيئا فشيئا عندما اطلع أبوشوارب على كتاب "تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث في الربع الأول من القرن العشرين" للناقد الراحل الدكتور حلمي مرزوق. ومنذ ذلك الحين ووجه الناقد مطران يخايل الباحث ويدعوه إلى مقاربته وتعمق النظر إليه، إلى أن واتته فرصة اختيار مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري خليل مطران علما على دورتها الثانية عشرة، فشرع في إعداد هذا السفر الذي بين أيدينا.

وبالرجوع إلى بعض المصادر وجد الباحث أن الدكتور محمد صبري السوربوني يعثر على سبعة عشر نصا فحسب من كتابات خليل مطران النقدية، وينشرها ضمن كتابه "خليل مطران .. أروع ما كتب" وهو عدد كان محل شك عند الباحث، فقرر أن يبدأ رحلة البحث من الصفر.

يقول الباحث "انطلقتُ، يُعينني بعض زملائي وأصدقائي، إلى غير وجهة أبحث في بطون الكتب ومجلدات الصحف والمجلات، عما كتبه خليل مطران، وتجمَّع لي من ذلك الشيء الوفير الذي أكد قناعتي بغنى ثقافة مطران وعمقها وتنوعها". وإذا به يصل إلى ثمانية ومائة نص نقدي تمثل جُل إنتاج مطران النقدي.

وكانت حيرة الباحث في تصنيف هذه الكتابات الوفيرة، وبعد التفكير في أكثر من منهج تصنيفي، استقر الأمر على أن يكون ترتيب النصوص حسب ألوان الكتابة وقوالبها التي تنوعت بين المقالات والمقدمات والعروض والأبواب الثابتة والأحاديث الصحفية والتقديمات، هو خير ترتيب لإنتاج خليل مطران النقدي في هذا السفر.

لم يكتف الباحث بنشر نصوص مطران النقدية، ولكنه إلى جانب ذلك عكف على توثيق هذه النصوص وتنوير موادها بما تحتاجه من تعليقات وشروح وحواش كاشفة تعين القارئ على استجلاء السياق وفهم أبعاده، وهو عمل شاق ومضن، بعد رحلة البحث والحصول على متن النصوص.

ولم يتوقف العمل عند هذه المرحلة، ولكن كانت هناك مرحلة أخيرة انصرف فيها الجهد إلى تكشيف الكتابات وفهرسة موادها، وما نتج عن هذا من فهرس تحليلي مفصل للأفكار الأساسية التي اشتملت عليها موضوعات الكتابات، ثم فهرس عام للأعلام الواردين في متن الكتاب وحواشيه، ثم فهرس لقوافي أبياته، ثم فهرسين نوعيين؛ أحدهما يصنف الموضوعات حسب تاريخ نشرها؛ والآخر يصنفها حسب وعاء النشر، تعقبهما قائمة بأهم المراجع التي استعان بها الكتاب، وفي النهاية الفهرس العام للكتاب نفسه.

في الفصل الأول من "الكتابات النقدية" وهو "المقالات" نرى خليل مطران يكتب عن الشعراء: ملك حفني ناصف، ومحمود سامي البارودي، وإسماعيل باشا صبري، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والشيخ خليل اليازجي، وسليمان البستاني، والشيخ إبراهيم اليازجي، وأحمد محرم، وأحمد الكاشف، والسيد توفيق البكري، وإلياس فياض، وأحمد نسيم، ومصطفى صادق الرافعي، وأبوالطيب المتنبي، وأبوالعلاء المعري، وغيرهم.

كما يتوقف عند الشعر الصيني، وعند إحدى القصائد الهيروغليفية، وعند إنتاج تولستوي وفيكتور هوجو، وخطباء الإنجليز، وبلاغة العرب، وفن المراسلة، وكيف تكون كاتبا، وغير ذلك من موضوعات تكشف عن فكر خليل مطران النثري.

وفي الفصل الثاني "المقدمات" يكشف الكتاب عن بعض المقدمات التي كتبها خليل مطران لبعض الدواوين الشعرية والكتب ومنها: مقدمة ديوان ابن قلاقس، ومقدمة ديوان "الفجر الأول" لخليل شيبوب، وتصدير ديوان "أطياف الربيع" لأحمد زكي أبوشادي، ومقدمة ديوان "أغاريد ربيع" لفؤاد بليبل، وغير ذلك من المقدمات.

ويلفتنا الفصل الثالث إلى العروض والمطالعات التي كتبها مطران في صحف ومجلات عصره.

وهكذا يمضي كتاب "خليل مطران .. الوجه الآخر .. الكتابات النقدية" ليكشف لنا أحد الوجوه المشرقة والمتميزة للشاعر خليل مطران، والتي ربما لا يعرف الكثيرون عنه شيئا لولا الجهد الكبير الذي بذله الباحث الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، على مدى الشهور السابقة ليصبح هذا السفر ماثلا بين أيدينا، وليؤكد على أن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عندما اختارت مطران علما على دورتها الثانية عشرة لم يكن اختيارا عشوائيا أو عبثيا، ولكنه اختيار يعيد اكتشاف مطران مرة أخرى، ويبعثه إلى الحياة من جديد، ليظل ماثلا تحت أعين الأجيال الأدبية الجديدة التي ربما لم تعرف بعد قيمة خليل مطران الكبيرة، ودوره المؤثر في حياتنا الأدبية المعاصرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق