Translate


الثلاثاء، نوفمبر 02، 2010

نساء يشبهن الماء



 

ليس العلم أداة التنمية فقط و لا ربما مجرد شرط للدخول الى الحضارة المعاصرة ، انه في الحقيقة لب هذه الحضارة ، و وسيلة الإنسان للتعبير عن إبداعاته أو لنقل بتركيز اكبر انه حاجة روحية له.
لكن حين يكون الإنسان ، بقطبيه الذكوري و الأنثوي ، ناصل اللون ، إذا ، أي مجتمع هو صانعه ! وما الإبداع الذي سوف تعبر عنه روحه الباهتة ! وإذا كان ، هذا الإنسان مغيبا عن العلم ، محجوبا عن وسائل المعرفة ، أية حضارة إذا سوف يلج بابها !
وقد يكون الرجل متعلما (وليس مثقفا) وناصل اللون ، و قد تكون المرأة متعلمة و ناصلة اللون. إذا ، ليست المعلومات هي العلم ، وليست بحد ذاتها أداة التنمية المجتمعية.
ان عالم اليوم هو عالم الاضطراب و الطفرة ! أين تقبع المرأة ، بأميتها وأنوثتها الوجدانية المزيفة فيه ! أين هي منه ومن تنوع صور الحياة المهولة حولها ! وماذا تفعل لتثقف ذاتها الجوانية بالفعل وتستعيد ( لونها ) الذي أهيل عليه تراب الأمية دهورا !
إن حرب المرأة العربية اليوم ليس لاكتساب حقوقها فقط . فالمرأة في الغرب قد حصلت على كامل حقوقها وهاهي الان تقبع في عمق مستنقع الحضارة : انوثة وجدانية باهته ورحم وجداني ضامر. انها متماهية في صورة الرجل متماثلة معه ، لا متكاملة.
المراة العربية تمشي على نفس الطريق . تريد ان تخرج من قمقم الماضي المؤلم و تدلف الى الحضارة من أوسع أبوابها : العلم ، لكنها على طريق ركضها السريع أسقطت أنوثتها من دون انتباه ،وها هي اليوم على وشك الوصول متماهية السحنة لا هي تشبه ذاتها ولا هي تشبه الرجل.
إنها تحارب أميتها بكل تؤدة وتراكم المعارف والمعلومات لكنها تسقط من ناحية أخرى في أمية وجدانها الذي ركنته في الزاوية كسيف محارب متعب. صحيح ان التنمية المجتمعية تبنى على تفعيل حركة العلم بكل ما للكلمة من معنى ، لكن النهضة المجتمعية لا تنتصب اكتمالا الا اذا خلق التوازن فيها قطبي أنوثة و ذكورة سويين مزدهرين وجدانيا ومتحققين.
لا تستطيع دروس محو الامية بحد ذاتها ان تعمل على تفعيل أنوثة المراة الا اذا عرفت المرأة كيف تستغل المعرفة من اجل ازدهار هذه الأنوثة أولا . فالأسرة لا تحميها نظرية آينشتاين في النسبية فقط و لا تساعد الأبحاث الدؤوبة على مرض السرطان في تنشئة الطفل بشكل سوي ، ولا لعبت دورا قصائد نزار قباني في خلق مناخ وجداني عاطفي حقيقي بين رجل وامرأة. ان كل هذا لا يستطيع ان يبني خلية المجتمع الوحيدة – الأسرة بحد ذاتها. ان مراكمة المعلومات لا تصنع نهضة مجتمعية ! ان ما يصنعها هو طريقة رؤيتنا لهذه المعرفة و استعمالنا لها.
ولان المرأة تشكل نصف تعداد سكان المجتمعات العربية إن لم يكن أكثر ، كان من الحيوي بل والخطير بمكان أن تمحى أمية المرأة أولا ، ثم استخدامها المعرفة ليس فقط من اجل احتلال دور هام في هرم التنمية الوظيفي وإنما لكي تثقف من أنوثتها الوجدانية بحيث يصبح دورها فعالا بأقصى درجة ممكنة في النهضة المجتمعية و بناء الأسر السوية.
إن الأنوثة الوجدانية المثقفة والمحققة هي روح كل فرد في الأسرة . ولا مغالاة حين أقول إن الأنوثة المحققة هي التي تحافظ على البقاء كنوع ! فإذا سقط الفرد سقطت معه الحضارة برمتها. والفرد لا ينمو الا ( بالرعاية ) اولا. والرعاية هي الكلمة المرادفة المضمونية لكلمة ( أنثى ).
إن الحنان هو احد عناصر النمو. والحنان ليس فقط عاطفة وإنما هو الطريقة في التعاطي مع الآخرين، وهو الوقت الذي يصرف من اجلهم . إن الحنان هو احد مظاهر القوة في المرأة. فالمكتملة الأنوثة تشعر بميل لكي تحتوي أفراد أسرتها. انه ميل أصيل في غاية التنوع و التعقيد تماما كحاجة الصغار أو أفراد الأسرة إلى أشكال العاطفة المتنوعة والمركبة.
ومن الحقائق الملفتة في عملية نمو الكائن البشري أن الإنسان لا يصل الى حدود هذا النمو الكامل الذي تصل إليه سائر الحيوانات. فالحيوان متى كبر واكتمل فان كل شروط وجوده تتحقق بشكلها المرسوم والمخطط له بما يتناسب مع نوعه. و الحيوان يغدو مستقلا ويمكن أن يعتمد على ذاته بشكل كامل. بينما يصل الإنسان إلى مراحل متقدمة من النضج ولا زال فيه بقايا الطفولة التي بحاجة إلى الرعاية وإلى اللمسات الحانية والحنان المشجع والمعيل أمام شدائد الحياة. انه بحاجة إلى الحنان أو الأنوثة الوجدانية المتمثلة بفعل ( الإصغاء ) و ( الدعم ) و ( التفهم ) وحضور الآخر الفعلي والعاطفي في حياته. إن الإنسان مشروع لا يمكن أن يكتمل عاطفيا . و لهذا فانه يبحث عن شريك أو توأم روحه. والشراكة أو التوأمة الروحية لا يمكن أن يعثر عليها في امرأة ناصلة اللون او ذات رحم وجداني ضامر، أو أنوثة مزيفة.
ولنصول اللون في شخصية المرأة أسباب ومظاهر. إنها امرأة مائية السحنة ببرقع المساحيق الملونة.
والحق لقد بدأ كل شيء على شكل مؤامرة لاغتيال الأنوثة كفطرة طبيعية وكقانون الهي بشكل مباشر وغير مباشر. وربما هناك خطة مدروسة لحدوث هذا الأمر كما يعتقد بيير داكو في كتابة المستفيض عن سيكولوجية المرأة. لقد شرح داكو بشكل ابداعي مدهش بنود هذه الخطة ونتائجها على المرأة وقدم الحل تحت عنوان ( خدعة الحرية ) وذلك في فصل من أجمل فصول الكتاب. والمتتبع لفكر داكو ورؤيته لما عليه حال المرأة اليوم يعرف كم هو ثاقب النظر فيما يتعلق بوضعها الراهن ولما آلت إليه حالتها. والمرأة العربية التي هي في الطريق إلى نصول اللون وانهيار الأنوثة تنطبق عليها تقريبا الظروف والأسباب التي تنطبق تقريبا على المرأة في العالم ككل اليوم عدا كون صراعها الخاص يتجسد بين الديني – الاجتماعي والذاتي – الطبيعي الذي تدور رحاه في عمق وجدانها ، فكل حركة من قبلها لا تراعي الأصول المتعارف عليها تدفع الجميع إلى تكفيرها اجتماعيا وحتى دينيا ، بل إن أية محاولة لوضع الإصبع في مكمن الغلط أصبحت مدعاة إلى التكفير والإبعاد. ومع ذلك يبدو ان للمجتمع دينه الخاص وأصوله المعممة على كل طوائفه وبهذا المعنى فان مراعاة الأصول الأخلاقية الخاصة بالمجتمع تعني بشكل ما تحييد النماذج العليا الدينية لأوقات خاصة طقسية والتمثل بتلك التي يفرضها المجتمع ( على الجميع ) بقوة القانون العام المكتوب وغير المكتوب. وإذا علمنا أن هذه القوانين المجتمعية التي تمشي على المرأة والرجل معا تتأثر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية وأوامر الهيئات والمنظمات الدولية .. ندرك المعنى العميق لفكرة تحييد النماذج الدينية الكبرى ودورها الضئيل نسبيا أمام ما يفرضه المجتمع من استحقاقات والتزامات خاصة تجاه الفرد لكي يستطيع أن يصبح بالفعل جزءا من تركيبته ومعترفا ، كانسان و كمواطن ، به.
تقع الأنوثة تحت مكبس هذه الرحى المتحركة والتي لها متطلباتها الآنية . و النصول كسمة من سمات هذه المرحلة المجتمعية المعاصرة ، تشبه القانون المؤقت المتعارف عليه . إنها (موضة ) اليوم التي ترضخ لمتطلباتها الكثيرات من نساء هذه المرحلة. حتى انه يرتبط بهذه السمة تبعاتها النفسية والاجتماعية … الخ. فمجرد وجودها كواحدة من سمات المرأة المعاصرة يفترض ضمنا أنها عامل جذب لرجل المرحلة ذاتها ، وربما تجاوز الأمر لدى البعض حده الطبيعي – مع ان لا حد طبيعي له - فاعتبرنها من أولويات ( حضورهن ) و ( وجودهن ) وأخذت وقائع حياتهن تدور في فلكها. والطامة الكبرى دائما تكون حين تعتقد المرأة ان شذرات ( الموضة ) وقوانينها تشبه في تشريحها القوانين الثابتة ! فالنصول مثلا كسمة من سمات المرحلة يمر في دورة حياتية معروفة تنتهي بالموت أو الأفول و التلاشي.  فما هو مقبول اليوم يندثر خلال فترة زمنية معينة ليحل محله أمر آخر وهكذا دواليك … وذلك على عكس القوانين الأخلاقية والإنسانية العامة التي تعتبر، تقريبا ، ثوابت على مر العصور . فالقوانين التي تحرم السرقة والقتل او تلك التي تدين الكذب تعتبر ثابتة أمام شذرات الموضة التي تفرقع في الهواء ولا تلبث ان تضمحل و تتلاشى بعد ذلك. والمرأة التي تبني أنوثتها على الشذرات المفرقعة غير تلك المرأة التي تبنيها على الثوابت من القوانين والمبادىء. فامرأة لا تكذب مثلا مهما كانت أنوثتها الخارجية قليلة بالمعنى الظاهري المتعارف عليه للكلمة هي أكثر أنوثة ، في الواقع ، من امرأة متذبذبة اللسان والفكر والأمر لا يتطلب أكثر من دقائق لاكتشاف ذلك ! والجاذبية التي تصدر عن امرأة صادقة شفافة هي أقوى بكثير من تلك التي تصدر عن امرأة ناصلة اللون مبرقعة بشذرات الموضة الفانية. ومع ذلك ، فليس خطابي هنا ، دعوة بالمطلق للتخلي عن العناية المعقولة بالذات بحيث تعكس المرأة هذا التوازن بين أنوثة داخلية وجدانية محققة وأنوثة خارجية هي ( سبب ) او ( مقدمة ) لما يتفاعل في داخلها.
والحرية الخداعة هي التي نصبت هذا الفخ الرسمي المبارك لكليهما معا ، الرجل و المرأة.
فقسماتهم الباهتة ، المأخوذة، بل حتى وكأنها المصفوعة على حين غرة، تشي بذهول من يقمع ذاته الطبيعة من اجل هيئة لا تشبهه. فامرأة بعيدة طوال الوقت عن بؤرة اهتماماتها الطبيعية التلقائية لا تشبه جسديا بالقطع امرأة تتفاعل بحب و تلقائية وعفوية مع وسط من صنع طبيعتها ويديها. والقيمة الفعلية التي يمكن للمرأة الثانية ان تقدمها تتجاوز الكثير القيمة التي تقدمها المرأة الأولى التي تلوي رقبة طبيعتها الأنثوية. فليس المجتمع بحاجة إلى جيش من القطيع متماثل في الوظيفة والشكل والدور وإنما إلى ( فريق عمل متكامل ) يستطيع أن يحيط بكل جوانبه حتى أكثرها بساطة وإهمالا.
اعرف ضمنا ان المرأة تحمل في طيات تركيبتها الطبيعتين .. حتى أنها تستطيع بجدارة أن تقوم بكل منهما على حدا إذا ما تناولنا الأمر من ناحيته العملية …فالقدرات العقلية واحدة وكذلك نسبة الذكاء والقدرة على التخطيط والتحليل أيضا واحدة حتى إنها متفوقة ربما على الرجل في قدراتها التنظيمية … الخ لكن ليس هذا هو المطلوب منها بالمطلق … ولا تكمن الحكمة في التخلي عن دورها المميز لتقوم بدور يمكن أن يقوم به ( أي رجل ). فليست قدرات شهرزاد العملية ما أنقذها من الساطور لالف ليلة وليلة وإنما الأنوثة الجبارة المغلفة بالحنكة والإيحاء بالحنان.
عالم اليوم بخصائصه لا يشبه طبيعة المرأة بشيء. انه عالم يدفع إلى النصول شيئا فشيئا كما يفعل الغسيل المتكرر بقطع القماش الزاهية. انه يحيلها إلى خرق باهته ، مفككة تفتقد القها الأصلي القديم. إن عالم اليوم بكل مواصفاته ومتطلباته يمر عليها المرة تلو الأخرى كمكواة لا تمل من التحرك بسرعة جيئة وذهابا .. ليس بقصد كيها وتقديمها بحلة جميلة وإنما بقصد حرقها وإذابتها من دون أن تستطيع أن تفلت من ذلك مرة واحدة.
ويكتمل الفخ عندما تتطلع المرأة في المرآة بعد كل هذا وتقرر ان ( كل شيء على ما يرام ) فهاهي الآن امرأة من قلب هذا العصر .. إنها باختصار ( امرأة معاصرة ) ، محسنة ، مدجنة ، و مستعدة للنزال !

بقلم الكاتبة:  كلاديس مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق