Translate


الأربعاء، نوفمبر 10، 2010

رحلة في جماليات روايات أمريكا اللاتينية



تأليف د ماجدة حمود
إصدار : اتحاد الكتاب العرب – سوريه

يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال!بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟
 لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي)
وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أمريكا اللاتينية لكونه أقرب الفنون إلى نفسي، بالإضافة لكونه أكثر الأجناس الأدبية انتشارا، خاصة بعد أن امتلكت هذه الرواية سمات تكاد تكون خاصة بها، ولا ننسى سهولة ترجمتها مقارنة بلغة الشعر ، بالإضافة إلى ذلك كله ثمة رغبة كامنة في الأعماق تحاول الخروج من شرنقة المركزية الغربية، فقد عشنا زمنا طويلا لا نقرأ سوى الأدب الغربي!
ومما زاد حماستي أكثر لهذه الرحلة أنني لاحظت تقصير النقد العربي في دراسة أدب أمريكا اللاتينية، كما هو مقصر في دراسة الأدب الذي يشاركه الانتماء الجغرافي والديني (الأدب التركي، الفارسي، الهندي...)
لا تستطيع دراسة واحدة أن تفي رواية أمريكا اللاتينية حقها، فالإنجاز الإبداعي ضخم، لهذا سأختار نماذج للدراسة، تلفت النظر إلى جماليات هذه الرواية، وقد تفتح الباب أمام الباحثين للاستمرار في تناول هذا الإبداع المدهش! لعلنا نزيد متعة التلقي والإفادة لدى كل من القارئ العربي والمبدع أيضا!
ستحاول هذه الدراسة أن تسلط الضوء على روايات تنتمي إلى بلدان شتى في أمريكا اللاتينية: رواية "بيدرو بارامو" لخوان رولفو (المكسيك) و"مئة عام من العزلة" لغابريل غارسيا ماركيز (كولومبيا) "حفلة التيس" لماريو فارغاس يوسا (البيرو) و"السيميائي" لباولو كويلهو (البرازيل) و"مدينة الوحوش" لإيزابيل اللينيدي (التشيلي).
من خلال هذا الكتاب نلاحظ أن رواية أمريكا اللاتينية حلّقت بنا في عوالم مدهشة ، لهذا كانت رحلة ممتعة، رغم أننا رافقنا عددا قليلا من الروائيين، لكنهم استطاعوا أن ينطلقوا بنا في فضاء روائي متنوع، مما أتاح لنا فرصة أن نقوم بعدة جولات، نظرا لأن كل روائي من الروائيين الخمسة يشكل عالما متفردا في ذاته، بفضل امتلاك كل منهم صوته الخاص، حتى إننا لاحظنا أن الروائي الأمريكي اللاتيني قدّم مع كل رواية جديدة يبدعها إنجازا فنيا مدهشا!
وقد لاحظنا أن المؤسس للحداثة الروائية (خوان رولفو) اكتفى برواية واحدة حين وجد نفسه لن يستطيع تقديم رواية أفضل من "بيدرو بارامو"! ومع ذلك تركت بصمتها على الإبداع في أمريكا اللاتينية وربما في أماكن غيرها! لذلك لم يسقط الروائي الأمريكي اللاتيني في فخ تكرار الذات، على الصعيد الفني، الذي سقط فيه بعض الروائيين العرب!
من المؤكد أن جميع الروائيين الذين درسناهم اشتركوا في الفهم العميق لنظرية الرواية، بل وجدنا بينهم من يدرّسها في الجامعة (يوسا) كما مارس أغلبهم فعاليات تزيدهم اقترابا من الواقع ومن الفن (الصحافة والكتابة للسينما) كما مارسوا جميعا النقد الذاتي الذي أسهم في تطور إنتاجهم الإبداعي بفضل تطوير رؤيتهم للحياة وثقافتهم.
وهكذا استطاع كل روائي أن يضع بصمته الخاصة على إبداعه، رغم أنه يشارك المبدعين الآخرين في همومهم وطموحاتهم، من هنا بدت لنا صورة الطاغية لدى ماركيز تختلف عن صورة الطاغية لدى (يوسا) فـ(أوريليانو) في "مئة عام من العزلة" يعاني صراعا بين ميوله الشعرية والحياة العسكرية، في حين وجدنا الطاغية (تروخييو) في "حفلة التيس" يعاني صراعا بين إحساسه بألوهيته وبشريته، فهو تارة فوق قانون الزمن وتارة ينقض عليه المرض ليذكره بضعفه البشري!
عاش جميع الروائيين الذين درسناهم أياما مليئة بالندوب والجروح، ومع ذلك لم تهزمهم الحياة، بل تمكنوا من الانتصار عليها بفضل ممارستهم للكتابة الإبداعية!
صحيح أننا عايشنا ملامح من سيرتهم الذاتية، ولكن بعد أن نسجتها يد الخيال المبدع فأغنت فضاء الرواية، حين انطلقت من (الأنا) إلى عوالم رحبة تمس كل إنسان! بفضل حساسية اللغة التي تراوحت بين لغة الأعماق ولغة الحياة اليومية، كما تراوحت بين لغة الأسطورة والحلم والتوثيق التاريخي! بل نستطيع القول بأن الروائي الأمريكي اللاتيني استطاع أن يبني عالمه الروائي بناء محكم العناصر، كي يستطيع جذب المتلقي منذ الكلمة الأولى في الرواية حتى الأخيرة!
إذاً كان الروائي مشغولا بهم الإبداع وهم جذب المتلقي وبناء وجدانه، حتى إن بعضهم (كويلهو) أهدى روايته "إحدى عشرة دقيقة" إليه! من هنا كان سعي الكثير من الروائيين إلى اقتران الحكمة بالبساطة المبدعة، كي يستطيعوا بناء إنسان يواجه القهر والظلم، وبذلك كانت الكتابة لديهم مسؤولية أخلاقية بقدر ما هي مسؤولية فنية، سعوا من خلال الرواية إلى تزويد المتلقي بقوة روحية تجعله أقوى، فلا تدمره صعوبات الحياة!
وكثيرا ما لاحظنا توحد المتلقي مع الشخصية المرسلة (أورانيا في "حفلة التيس" والشخصية المستقبلة (عمتها) فتسهم لغة الاعتراف في إنقاذ الشخصية من العيش في سجن معاناتها، كما تضمن تفاعل المتلقي إلى درجة يجتمع في داخله الإحساس بالقلق على (أورانيا) والرعب والغثيان من فظائع ارتكبها الطاغية، وتقع ضمن المسكوت عنه! وبذلك تمكن الروائي بفضل إبداعه هذا من تحويل الهم الخاص بالشخصية إلى هم عام يمس كل متلق!!
استطاعت هذه الرواية أن تدهشنا بقدرتها على مزج الناحية الجمالية بالناحية الإنسانية، وقد ظهر ذلك واضحا في أبرز سمة فنية عرفت بها رواية أمريكا اللاتينية (الغرائبية) التي قد يظن البعض أنها أبعد ما تكون عن الإنسان وأقرب ما تكون إلى السحر والوهم والخرافة!
لقد ترك كل مبدع بصمته الخاصة في التعامل مع هذه السمة، فإذا كانت غرائبية (خوان رولفو في "بيدرو بارامو") تتعلق بعلاقة الإنسان مع ماضيه، وما يثقله من إحساس بالذنب بسبب فظائع ارتكبها أجداده في حق الهنود الحمر، سيرافقه هذا الإحساس إلى القبر وينغّص موته كما نغّص حياته! في حين بدت غرائبية (إيزابيل الليندي في "مدينة الوحوش") معنية بمستقبل من تبقى من الهنود الحمر، محملة الأجيال القادمة (أليكس الذي يتماهى مع الجغوار كي يستطيع حمايتهم بقوته، ونادية التي تتماهى مع النسر كي تجلب الأحجار الثمينة من قمة الجبل كي توظّف هذا الكنـز من أجل حمايتهم)!
من هنا نلاحظ أن الغرائبية في رواية أمريكا اللاتينية غامرت في الولوج إلى عوالم مجهولة أشبه بالسحر، لكن روعتها تكمن في كونها لم تهرب إلى عالم (الفانتازيا) وتحلق بعيدا عن هموم الإنسان وقضاياه!
كل هذا يجعلنا نستنتج بأن أدباء أمريكا اللاتينية كانوا أصحاب مشاريع ثقافية نهضوية، حاولوا مخاطبة واقعهم، دون أن يتخلوا عن الاستفادة من الإنجاز الأوروبي، لهذا كرسوا أدبهم كما كرسوا حياتهم ليزدادوا التصاقا بشعوبهم، ويعبروا عن هويتهم المتنوعة (الأوروبية، الأفريقية، الهندية) وبذلك استطاعوا تقديم أدب ينطق بخصوصيتهم!
وهكذا أسهم الانفتاح الثقافي الذي كان رديفا للانفتاح الإنساني في جعل قراءة رواية أمريكا اللاتينية رحلة متعة في عوالم الدهشة والجمال والعمق، فغذّت الروح والعقل والمخيلة!


فهرس كتاب "رحلة في جماليات روايات أمريكا اللاتينية"
- تمهيد: إشكالات أدب أمريكا اللاتينية
- المقدمة: تعريف بالمصطلح وتطور الرواية في أمريكا اللاتينية
- خوان رولفو
جماليات رواية "بيدرو بارامو"
- ماركيز
جماليات رواية "مئة عام من العزلة"
- ماريو فارغاس يوسا
جماليات رواية "حفلة التيس"
- إيزابيل الليندي
جماليات رواية "مدينة الوحوش"
- باولو كويلهو
"جماليات رواية ساحر الصحراء "السيميائي"
- خاتمة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق