Translate


الأحد، نوفمبر 07، 2010

ذات قدر


أكتب إليك أيتها الورقة
وتنتابني الدهشة مع دمعات تتساقط بمحاولة يائسة لمحي الحقائق والدخول إلى عالم لا ادري ما أصفه سوى باختصارات المعاني لكلمة " خيانة " !
أكتب إليك أيتها الورقة وأحملك حزني وهمي .. لأنك الوحيدة بيضاء وصافية ذات قدر ..
سرق عمري وجمالي وأيامي سرق ضحكاتي وابتساماتي سرق لمعة كانت بعيوني ، سرق طفولتي .. لماذا؟
لماذا أيها الرجل تتزوج وأنت لست أهلا" للزواج ؟
لماذا تسرق روح وقلب وبراءة طفلة ؟
حين ينتابك شعور بعدم الشعور ، وتنعدم البهجة في غياهب العدم ، وكل شيء يتحول لجماد ، والأخضر إلى يابس ، والورد إلى شوك ، ويختفي القمر بغيمات السواد وتغيب شمس الحقيقة حين يلازمك الخوف من المجهول وأنك ضيفة مؤقتة في منزل تقيمين به بصفة خادمة .. لا بل الخادمة أوفر حظا "على الأقل لديها مسؤولياتها في نطاق التنظيف فقط .. وهي حرة تغادر متى تشاء حين لا يعجبها الكفيل.
أما المدعية " نجوى " هي الضحية في مؤامرة يحيكها الرجل بصفة تملك المرأة والعصمة كما يتملك سيارة أو عقارا أو لوحة .. يحق له أن يرميها وقت ما يشاء .. وأنه متزوج ولديه أطفال ليحتفظ بالوجاهة أمام المجتمع وأهله بأنه " آدمي " وزوج وأب مثالي !
لطالما الرجل يعيش بعقلية مزدوجة وحياة مزدوجة وأفكار مختلطة لملمها من العالم خلال رحلات العمل والاستكشاف .. والمراهقة التي لن تنتهي وأصدقاء السوء كيف له أن ينسى العهد والقسم ؟
كيف له أن يؤسس الشراكة المبنية على الكذب والخداع وعدم الاحترام للطرف الآخر ؟
كيف له أن ينسى أم الأطفال وتعبها ؟
كيف له أن يتجاهل روح طاهرة وإنسانة نادرة تقيم في منزله ؟
كيف للآه أن تتجزأ لآهات وتتحطم الكلمات أمام الأحرف ؟
كيف للمجتمع أن يصدق " نجوى " ومعاناتها التي لا يعلمها أحد سوى الله ؟
كيف للمجتمع أن يصدق أن " سالم بك " يرتدي أقنعة وأنه شخصية متعددة الوجوه ؟ شكرا "شكرا" أيها الرجل لأنانيتك وانك تعيش لأجلك ولنزواتك وسهراتك شكرا" لليالي الحالكة التي أذابت روحي كمكعبات ثلج وأغرقت دمعاتي الوسادة الخالية والصمت المخيف ، شكرا" لاهمالك لي منذ ألف عام ، شكرا" لأنك علمتني الصمت والخرس بحضورك ، شكرا" لأنك حولتني لمدمنة طعام بعد أن كنت حورية ، شكرا" للدمعات التي لم تعد تنشف وكم وكم سالت بسواقي خدودي إلى أن غرقت بها .. شكرا" للأقنعة التي أزلتها بيدك وكشفت الأيام لي كم أنني كنت طيبة لدرجة الحمق والبلاهة .. شكرا" لمن كتبت لك رسائل الغرام وصور .. خبأتها بجيوب القدر ، شكرا" لقتلك لي بسيوف الغدر والخيانة.
الموت صعب جدا "على الإنسان وليس هناك حزنا" أكبر من فاجعة الموت وما بالك أنني ميتة عندك ؟ أتحرك فقط لأن قلبي مازال ينبض بدقات حزينة ستتوقف ذات يوم لأنني انتظرها بفارغ الصبر .. لطالما حولتني معاملتك لي إلى جيفة !
الصبر .. آه تذكرت الأوليين وكيف أن كلمة الصبر مقدسة ، اصبري غدا" سيتغير ، اصبري سيرجع لك ولأولاده ، اصبري غدا" سيعرف قيمتك ويضعك تاج على رأسه !
أصبري اصبري ، يا نجوى بيتك قبرك !
صحيح صدقتم أن البيت هو القبر لطالما العمر انقضى ما بين الكفن والعتمة والهلع .. والصبر لعشرات السنين .. بانتظار الغد المزعوم .. والتتويج من غير لقب.
ما معنى لحياتك دون حياة ؟
ما معنى للوجود دون شريك حقيقي .. إنسان كامل ؟
ما معنى للضحكة وهي مصطنعة ؟
ما معنى للانتظار والساعات رملية أقلبها مئات المرات ؟
لمن ستتعطري وتتكحلي وتتأنقي ؟
لمن الشموع في ليالي الدموع ؟
لمن الورود والعشاء اللذيذ وجرعات من شراب الجحيم ؟
أغبط الصديقات حين يتكلمن عن أزواجهن بلهفة المشتاق بلهفة الأحبة والحنان بلهفة كل الحب وأسأل ذاتي : لماذا لا أشعر مثلهن ؟ بت أتجنب الاجتماع بهن كي لا يبكي قلبي وينزف حرقة وألما". كرهت التمثيل عليهم وعلى ذاتي الإنسانية والتظاهر بالفرح وأننا أسعد زوجين !
كنت أحسب أنني حالة مؤقتة ويوما "ما سأتكلم بلغتهم لغة العشق والحب والشوق للحبيب .. وأنه سيفاجئني باتصال هاتفي بحضورهم أو ربما بغيابهم وكلمة " مشتاق لك ".. سيفاجئني بباقة ورد وصحوة ضمير .. سيفاجئني بدمعة ندم واعتذار عن جرائم ارتكبها بحقي منذ ملايين السنين لساعة كتابة هذه السطور .. وبيتنا يعج بالأحفاد .. سيفاجئني بمقولة أنت تاج رأسي وأنا في دنيا حبك مقيم .. سيفاجئني بأن قلبه لا يتسع إلا لي ولأولاده .. لكنني لم أفلح. أعترف بالفشل الذريع.
الفشل الحزين المقرون بالقهر .. وتأنيب الضمير لانتظاري واستسلامي وصبري الطويل بهاك السنين .. وشعري أصبح رمادي .. تبدلت الفصول ولكن حياتي فصل واحد من الصقيع وثلوج القطب الشمالي. أعيش بوحدة وصمت .. روتين الحياة اليومية والضجر وما زالت كلمة اصبري تتردد على مسامعي من أعماقي .. لماذا أشعر بأنني في التاسعة والتسعين .. وصديقاتي في العشرين !
لا أريد شفقة أو نصيحة ولا القول بأنني السبب ..
بل أريد أن يتوقف الزمن وامحي شريط الذكريات وأبدأ بمحاسبة كل من ساهم باغتيال سعادتي .. وكل من ساهم بتربية الذكور على أنهم يملكون الكون والنساء.
رن .. رن ها هو الهاتف
- ألو ماما
- ها حبيبي ماهر ؟ كيف حالك وزوجتك الغالية ؟
- الحمد لله نحن بخير، وأنت يا أجمل أم كيف حالك؟
- لطالما أنت تحترم وتحب زوجتك الغالية أنا بخير يا ما ما أنا بألف خير يا حبيبي.
- أنا تربيتك يا نجوانا الحبيبة.
- ونعم الابن و الزوج الصالح .. وفقكم الله وحماكم ودامت المحبة عنوانا "للحياة.
- إلى اللقاء
- إلى اللقاء

ذات صباح قرأت مذكرات المرحومة زوجتي "نجوى" وتوقفت عند هذه الصفحة المعنونة بذات قدر .. رحمك الله يا "نجواي" أين رحلت وتركتني وحيدا "حتى الأولاد لم أعد أراهم .. لقد ظلمتك معي يا حبيبتي وظننت أن مغامراتي لن تنتهي ولم اعتقد يوما" أن النساء الرخيصات لا يردنني لجوهري وإنما طمعا "لمالي .. وحين لم يبقى معي المال لم أجد سواك ينتظرني .. وأنت يا نجواي الطاهرة لم تظفري بي ولا بمالي .. كنت بخيلا .. نعم بخلت عليك بالحب ، بخلت عليك بالمال .. كنت ظالما "جلادا" قاسيا" .. لم أعاملك كما تستحقين .. أحبك يا نجوى
آه لو تعودي ساعة فقط لأعوضك ما فاتك من حنان وحب ولأعيشك معنى الزواج الحقيقي لأتوجك ملكة على عرش محبتي .. أحبك يا نجوى
ها هي صورتك وابتسامتك وكأنك تسمعينني .. نجوى هل تسامحينني؟ أعرف أني تأخرت ولكني أطلب العفو من الله ومنك يا ملاكي ؟
وذهب سالم إلى "المقبرة" بعد أن كتب اعتذارا "منها وعشرات من أبيات الشعر والغزل وباقة ورد حمراء مروية بدمعاته ، وعرج إلى المكتب وأخذ من الخزنة الحديد تاجا" فيه أربعون حجرا "من الألماس حرص كل عام أن يشتري ماسة ويرصعه ليهديها إياه في عيد زواجهما الأربعين .. وهذا العام باع آخر قطعة أرض ليسدد ثمن آخر ألماسة ، ولكن شاء القدر أن يضعه على شاهدة القبر وينحني ويقبل الرخام ويتوقف قلبه مع الندم وينتهي الألم.

دفن " سالم بك " بجانب قبر المرحومة نجوى .. سرق لصوص المقابر التاج و " الموبايل "الذي عثر أحدهم عليه أيضا" .. وقرأ بعض الرسائل القصيرة :

1- يسعد مساك سالم بك .. موعدنا الخميس القادم مع عارضة الأزياء الإيطالية .. ولا تنسى مائة ألف دولار لقضاء أجمل ليلة .. أبو معروف
2- أجمل سالم بك .. لن أنسى لاس فيغاس .. والجناح الملكي – فيفي
3- هاي سمسم 10 مرات اتصلت فيك وينك ؟ السبت موعدك عندي لا تنسى الشيك الذي وعدتني به، ثمن المنزل .. بااااااااااااااااي .. سوسو الغنوجة.
4-شكرا "على رحلة باريس لن أنساك – سكرتيرة الشركة – وفاء.
5- بابا الحبيب أين أنت أنا في المطار وصلنا الآن - ابنك ماهر.


غيداء الطباع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق