Translate


الثلاثاء، ديسمبر 14، 2010

الكون المتمدد

بقلم: موسى ديب الخوري

في بداية هذا القرن لم تكن قد طُرحت بعد فكرة الكون المتمدد ولا حتى فكرة وجود مجرات غير مجرتنا. كيف ظهرت هذه الفكرة ومن هم روادها ؟
عندما طرح أينشتين نظريته العامة عام 1915 لم تكن فكرة توسع الكون مطروحة بعد. وكان العالم المرصود يتألف من نجوم وسدم تشتمل على غيوم أو تجمعات نجمية من مجرتنا. كان كانط قد تخيل العوالم المماثلة لعالمنا وسماها الأكوان ـ الجزر. لكن الأرصاد لم تطور هذه الفكرة إلا بعد أكثر من قرن.
وبدأت نماذج الكون تصبح أكثر فأكثر بساطة، وأكثر توافقاً مع الأرصاد. وكان الاعتقاد أن توزع النجوم متجانس في الكون، إلى أن جاء هرشل وقال إن نجوم درب التبانة مماثلة لنجوم الأبراج. وقد حصل على صورة مسطحة وغير متجانسة للمجرة. وفي بداية القرن التاسع عشر ولدت دراسة الأطياف النجمية مما سمح بتحديد التركيب الكيميائي للنجوم. وفي القرن العشرين أصبح بالامكان تطبيق هذه التقنية على الأجسام البعيدة، فتبين أن بعض السدم تتكون من تجمعات نجمية رغم أنها تنتمي إلى مجرتنا، في حين أن سدماً أخرى تتكون من غازات فقط، الأمر الذي بدأ يقضي على نظرية الجزر الكونية. ولوحظ أن خطوط الطّيف للنجوم والتجمعات النجمية والسدم تنزاح نحو الأحمر أو الأزرق، الأمر الذي يُفسَّر بأثر دوبلر، وسمح ذلك بتحديد أدق لسرعات هذه الأجسام. كان طبيعة هذه الأجسام البعيدة ظلت مجهولة حتى عام 1920 عندما أثير الجدل حول إذا ما كانت السدم الحلزونية مجرات بعيدة مثل مجرتنا وحول ماذا تعني سرعاتها الهائلة.
كيف فسرت النظرية النسبة وجود هذه المجرات وسرعاتها الكبيرة ؟
لقد حل أينشتين مشكلة لا نهائية الكون باعتماد كون مغلق فضائياً. وطوّر دوسيتر الفكرة بأن جعل الزمن بعداً رابعاً مماثلاً هندسياً للأبعاد المكانية. وكان هذا يعني أن الجسم الذي يسلك أقصر طريق بين نقطتين في هذا الفضاء لايمكن أن يحافظ على سرعة ثابتة. وفسر ذلك إدينغتون بأن خطوط الزمن في هذا الفضاء ليست جيوديسية، أي ليست الأقصر بين نقطتين، وتوصل إلى أن الأجسام السماوية تظهر بالتالي متبعدة عنا بسرعات كبيرة. وفي عام 1925 توصل الأب لوميتر إلى إعادة صياغة كون دوسيتر إنما بحيث أصبح غير سكوني. وكان فريدمان قد أعطى في عام 1924 الحلول العامة لمعادلات أينشتين، وكان تحفظه الوحيد حول التناظر الكروي الذي يعبر عن تجانس وتناظر الكون على المستوى الكبير جداً. ووضع لوميتر اعتماداً على حلول فريدمان نموذجاً للكون تكون فيه كافة خطوط الزمن جيوديسية ومتكافئة، وعندها يصبح تابع المكان تابعاً للزمن بالنسبة لأي جسم. وهذا يعني أن المكان نفسه يتغير مع الزمن، أي كأنه ينتفخ ويتوسع وكان قد تم اثبات وجود مجرات خارج مجرتنا منذ عام 1924 على يد هابل. واستفاد لوميتر من ذلك لبناء كون جديد تتوزع فيه المادة بشكل متجانس، ويتوسع وفق تابع لانحناء الكون كان صفراً في الماضي البعيد. وهذا يعني أن تمدد الكون انطلق من بداية محددة وساكنة. وبين إدينغتون أن تركيزاً محلياً معيناً للمادة في كون أينشتين يقتضي تمدد الكون أو انكماشه بحسب نسبة التركيز. وقد اقترح لوميتر فكرة بداية الكون في اللحظة صفر من الزمن عام 1931. وكان هابل قد برهن رصدياً عام 1929 على العلاقة بين الانزياح نحو الأحمر والمسافة بين المجرات. وكان لابد عندها لأينشتين أن يقر بالكون المتمدد بدلاً من كونه المستقر فنشر كوناً متوسعاً مع دو سيتر عام 1932. وسرعان ما طرح ذلك مشكلة تفسير التوسع الكوني. ورأى لوميتر أن السبب هو ضغط الإشعاع مثلاً شرط أن يتحول لاحقاً إلى مادة. وهكذا طرح نظرية بداية حارة للكون وفكرة الذرة البدئية التي انطلق منها. وكان ذلك بمثابة انطلاق للعلوم الكونية الحديثة.
إذا كان الكون يتوسع، فما الشيء الذي يتوسع فيه ؟ أو ما هو المكان الذي يتوسع فيه ؟
إن الكون يشتمل بالتعريف على كل ما هو موجود. ومن هنا التساؤل حول كيفية توسعه وكأنه يتوسع في شيء خارج عنه، أو بالنسبة لشيء آخر غيره. ولحل هذا التعارض لا بد من رفض الفكرة بأننا نرصد الكون من نقطة خارجة عنه. فمثل هذه النقطة غير موجودة. وبالمثل، لا يمكننا القول إن الكون يتوسع في فراغ سابق له. فالكون يتوسع بالنسبة لذاته، ويجب دائماً فهم هذا التوسع من منظور مراقب يقع داخل الكون. وهكذا فإن التوسع الكوني يشبه انتفاخ قالب الكعك. فإذا تخيلنا وجود حبيبات الزبيب داخل قالب الحلوى المنتفخ، يمكننا تشبيه المجرات بحبيبات الزبيب هذه. فكلما انتفخ القالب تباعدت حبيبات الزبيب عن بعضها بعضاً. ويمكن تشبيه التباعد أيضاً بانتفاخ كرة مطاطية نرسم على سطحها نقاطاً تمثل المجرات. وعندما ننفخ الكرة تتباعد المسافات بين النقاط - المجرات. وفي الحالة الأولى لا يجب النظر إلى التجربة من الخارج بل من داخل قالب الحلوى، أو ككائن ذي بعدين على سطح الكرة في الحالة الثانية. وفي مثال الكرة يمثل سطحها الكون كله حيث لا يوجد معنى لداخل أو لخارج الكرة.
يقودنا ذلك إلى التساؤل إين حدث الانفجار الكبير إذن ؟
ثمة رغبة عارمة دائماً لرؤية الكون من الخارج. والدليل على ذلك الصورة المستخدمة والشائعة إنما الخاطئة في تمثيل الانفجار البدئي كانفجار هائل حدث في نقطة مركزية وأدى إلى تناثر الأجزاء المادية في زوايا الكون. لكن يجب التخلص من هذه الصورة الخاطئة، لأن الانفجار بالتعريف يُحدُّ بموجة صدم في حالة توسع تحدِّد داخلاً وخارجاً. وإضافة إلى ذلك فالحديث عن انفجار يعني الحديث عن مركز محدد تماماً. أما بالنسبة للانفجار الكوني البدئي فليس له مركز! فلا يوجد بين النقاط المرسومة على سطح الكرة المنتفخة نقطة تقع في مركزها، بل كافة النقاط متماثلة ومتكافئة، ويمكن القول إنها كانت كلها في حالة إنتاش في بداية الكون. وهذا يعني أن مركز التوسع وأصل الانفجار الكبير موجودان في كل مكان من الكون وليس في أي مكان منه في الوقت نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق