Translate


الأربعاء، ديسمبر 22، 2010

يوميات ولد شرير - 4

الدفتر الثالث

13 تموز 2005
 انه دفتري الجديد، وقد أصبحت في ال 11 من عمري. وقد فهمت هذه السنة أشياء كثيرة. لقد فهمت كيف يتزوج الناس وكيف يولد الأطفال. وعرفت أن الانسان يموت لأن عمره قد انتهى. وأنه لكل ميتة سبب.
اذن ما السبب الذي أمات والدي؟

14 تموز 2005
سألت جدة فادي عن الديمول الذي ترشه على الزرع كي تموت الحشرات ، ولما يشعر الأنسان بالسعادة اذا شربه. ارتعبت جدة فادي وسألتني لما أقول ذلك، فأخبرتها كيف قال أبي أن الديمول سوف يجعله سعيداً. دمعت عينا الجدة وقالت أن أبي بالتأكيد كان يمزح عندما قال ذلك، لأن الكل يعرف أن الديمول مادة قاتلة مثل السم والسلاح. وقالت أن والدي ايضاً كان يعرف هذا. يا الهي لقد وضعت الديمول في كوب والدي وهو قاتل. كيف  مات أبي ، هل مات لأنه شرب الديمول؟

20 تموز 2005
زرت خالي عباس وحدي، وسألته كيف مات والدي؟ فأخبرني الحقيقة، وقال أن أبي كان يريد دائماً أن يموت لذلك فقد شرب الديمول وانتحر. صرخت في وجه خالي عباس وسألته هل توفي أبي لأنه شرب الديمول؟ فقال خالي أن الطبيب الذي فحصه قال انه توفي بسبب الديمول، فأخبروه أن أبي دائماً كان يتكلم عن الانتحار والديمول، لكن أمي كانت تعتقد أنه يمزح.
30 تموز 2005
طوال الأيام الماضية كنت مريضاً جداً، كانت حرارتي دائماً مرتفعة وأمي أخذتني الى الطبيب كثيراً، وهو يقول أنني لست مريضاً، لكنه لا يعرف سبب حرارتي المرتفعة. وسألني كثيراً عن مدرستي واصدقائي وايضاً سألني عن أبي. بكيت وأخبرته أنني مشتاق الى أبي كثيراً. خفت أن أقول له عن الديمول لأن أمي سوف تقطع رقبتي. يا الهي لقد مات أبي لأنني وضعت له الديمول في الكوب.

1 آب 2005
اريد أن أعرف كل شيء عن الديمول، أريد أن أعرف كيف كنت السبب في موت أبي.

3 آب 2005
رفضت أمي أن تكلمني عن مادة الديمول، وصرخت في وجهي وقالت لي ارحمني يا بلا ضمير وبطّل اسئلة. وكانت تبكي كثيراً. هل أخبرها بما فعلت؟ ماذا ستفعل بي اذا أخبرتها؟

5 آب 2005
ذهب فادي وعائلته الى القرية، لكن نحن لم نذهب لأنني أصبحت أمرض كثيراً، وأمي وخالي عباس يأخذاني الى المستشفى وهناك يجرون لي فحوصات كثيرة . والطبيب يقول أن مرضي نفسي. وأنا لا أفهم ما معنى ذلك.

30 حزيران 2006
كانت هذه السنة صعبة جداً، لقد غبت كثيراً عن المدرسة لأنني مرضت كثيراً، واليوم ظهرت النتيجة وقد رسبت في صفي، وأمي حزينة جداً وتبكي كثيراً. هذه أول مرة لا تضربني لأنني كسول.

13 تموز 2006
أصبح عمري اليوم 12 سنة، والآن أصبحت أفهم أكثر أنني قاتل. لقد قتلت أبي .
منذ الصباح اسرائيل تعتدي على لبنان، وتقصف كثيراً بالطيران، وانا خائف جدا.

15 تموز 2006
ذهبنا كلنا الى سوريا، أنا وأمي وجدتي وخالتي ملاك وزوجها والخالة فاتن، لكن خالي عباس أوصلنا الى سوريا ثم عاد الى لبنان لأنه لا يستطيع أن يترك عمله. ثم أتى عمي شوقي وزوجته واولاده. وايضاً التقينا بفادي وعائلته وكانوا يسكنون في منزل مجاور مع أقاربهم.
فرحت لأن فادي أتى الى سوريا وسوف أراه كثيراً. هو يسألني دائما لما أصبحت حزينا هكذا، لكنني أخاف أن أخبره،  سوف يكرهني ويقول أنني قاتل. وربما عرفت الشرطة ووضعوني في السجن.

20 ايلول 2006
عدنا الى منزلنا بعد أن انتهت الحرب، منزلنا في القرية ومنزل فادي ومنزل عمي شوقي دمرتهم اسرائيل، وأصبحوا ركاما كما يقولون في الاخبار. منزل جدتي في الضاحية قد دمر ايضاً. وقد أتت لتقيم معنا أنا وأمي بعد أن أصلحنا منزلنا. ما زلت أمرض كثيراً، والطبيب يقول أنهم يجب أن يعرضوني على طبيب نفسي. لم أحب الفكرة، محمود شقيق فادي يقول أن الطبيب النفسي هو للمجانين. وهذا ما تقوله أمي أيضاً، حين تبكي وتقول لخالتي ملاك انها ربتني كي أصبح رجلاً، لكنني بدأت أجن. وتستمر بالبكاء وتقول لما أبني مجنون يا رب؟ هل أنا مجنون؟

21 ايلول 2006
ربما أنا مجنون لأنني قتلت أبي، لكنني لن أخبر أحداً بذلك، لأنني خائف جداً. أصبحت أرى والدي في الحلم كثيراً، وهو يصرخ في وجهي: يا مجرم... يا مجرم... واستفيق وأنا أصرخ، وتأتي أمي وجدتي الى غرفتي على صوت صراخي.

انتهت مذكرات المريض ( ع ).

اذن المريض (ع) قد قتل والده عن طريق الخطأ، أو دون قصد، والسبب هو أنه لم يجد اجابات شافية لأسئلته الكثيرة، التي ان دلت على شيء فانما تدل على وعي كبير وارادة على الفهم.

وقد رفض  المريض (ع) أن يخبر التفاصيل لأحد ، بل اكتفى بأن قال أنه يتردد على طبيب نفسي ليتخلص من امراضه وكوابيسه.

بعد سنة من علاجه كتب المريض (ع) ما يلي:
خضعت طوال السنة لعلاج طويل مع الطبيب النفسي، الذي كان متفهماً جداً، ولم ينعتني بالقاتل أو المجنون. بل أصر على أنني كنت طفلاً لا أعي ما أسمع وما أفعل. وقال أنه ليس خطأي ان كنت لم أفهم ، فكل الاطفال لا يفهمون الكثير من مصطلحات الكبار، لهذا يجب أن يكون الأهل على وعي وفهم كبير بحاجة الطفل الى طرح الأسئلة لايجاد الأجوبة التي تعينهم في حياتهم وتفتح امامهم الأمور الغامضة.

وقال أنني لم أكن طفلاً غير مهذب لأنني أسأل كثيرً، بل بالعكس، كثرة طرح الأسئلة دليل على وعي مبكر، وعلى طلب المعرفة والفهم. لكن عدم اجابة الأهل على أسئلة ولدهم لا يعني أن يفسر الولد ما يسمعه على قدر فهمه وحده، وأيضاً لا يجب أن يسأل اصدقاؤه، بل عليه أن يبحث عمن هو أكبر ليسأله، حتى لو اضطر للانتظار كثيراً.

وقال الطبيب ايضاً أن الكبار من حولي يتحملون المسؤولية معي على عدم فهمي للامور، لكنه ليس ذنب أحد ان توفي والدي، فموته حصل بسبب خطأ غير مقصود، ولا أحد مذنب بهذا الموضوع. والأهم أفهمني أن والدي في مكانه ليس غاضباً مني، فهو أكثر انسان يعلم أنني غير مذنب، وأنني لم أقصد ايذاؤه . قال أن والدي وهو في السماء يعلم تماماً أنني لم أكن سوى طفل لا أقدر عاقبة الأمور، ولم أكن أعلم حتى أن الديمول (وليس الديمون) هو مادة قاتلة. وأن والدي حين اعتبره سيريحه، كان يتكلم بلسان كبيرٍ يائسٍ من حياته، ومن هو في وضعه دائما يعتبر الديمول والسم والسلاح وكل شيء مميت، هو راحة له.

وقد عملنا كثيراً على فكرة أننا حين نقوم بفعل دون قصد ودون فهم، فلسنا مسؤولين عنه أمام ضمائرنا وامام الله وامام القانون وامام الناس أيضاً، فالخطأ هو خطأ، وليس ذنب أحد.

وعملنا ايضاً على فكرة أن لا أحد يدينني أو يحكم عليّ بسبب ما فعلت. وان والدي بالتأكيد يسامحني على فعلتي. ولكنني أصررت على أن لا يعلم أحد بما فعلت، ووافق الطبيب في الوقت الحالي.

تحسنتُ ببطء خلال السنة الماضية، وقال الطبيب أنني ان تابعت هكذا فسوف ينتهي علاجي بأسرع مما حدد لي سابقا.

بدأ مرضي يخف، كما أنني بدأتُ أرى والدي في الحلم، فيضمني ويضحك ويقول لي أنه ليس غاضباً مني، بل هو يريدني أن أنجح وأن أصبح رجلاً عظيماً. واقتنعت أمي بأنني لست مجنوناً، وبدأت تفهم ما هو العلاج النفسي.

ولعل أهم ما تعلمته خلال علاجي، بالاضافة الى تحسن أسلوبي بالكتابة، هو أنني كنت طفلاً أبحث عن اجابات لأسئلتي العديدة والكبيرة والتي تدل على أنني أحمل عقلاً كبيراً واعياً. وايضاً أهم ما فهمته هو انني كنت طفلاً من حقه أن يسأل، من حقه أن يتعلم، من حقه أن يفهم.
وان كنت سأعطي لمذكراتي هذه عنواناً كما نصحني الطبيب، فسوف اعطيها عنوان "من حقي أن أفهم" .
ولأنه دائماً وأبداً من حقي أن أفهم، فسوف أتابع علاجي، وأتابع دراستي، وأتابع القراءة، وسوف أسأل منذ الآن فصاعداً أناساً مثقفين أكبر مني وأكثر فهماً .

 

ملحق:
المادة 1 من شرعة حقوق الطفل:
لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة  ، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.
المادة 13
1-يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها واذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول، أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة اخرى يختارها الطفل.
المادة 37
(أ): ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الاعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود امكانية للافراج عنهم.
المادة 40
1-تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعى انه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة احساس الطفل بكرامته وقدره، وتعزز احترام الطفل لما للآخرين من حقوق الانسان والحريات الأساسية وتراعي سن الطفل واستصواب تشجيع اعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع.
(ب)-4- عدم اكراهه على الادلاء بشهادة أو الاعتراف بالذنب، واستجواب أو تأمين استجواب الشهود المناهضين وكفالة اشتراك واستجواب الشهود لصالحه في ظل ظروف من المساواة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق