Translate


الخميس، يناير 06، 2011

أدب أمريكا اللاتينية.. ولع مصري


بقلم: هيثم خيرى

لماذا نحن مولعون بأدب أمريكا الجنوبية ؟ ونحتفى بأى رواية جديدة تترجم إلى العربية ، ويروج لها القراء  بحماس يفوق دور النشر.
ما الذى يجذبنا إلى أعمال أدباء أمريكا اللاتينية إلى هذا الحد ؟ هل لأنهم عانوا الفقر والقهر مثلنا، ولأن أحلام التحرر عندنا وعندهم حلّقت متزامنة ، وتساقطت كلها فى الوقت نفسه ، وتسلط عليهم ديكتاتوريو جمهوريات الموز، فى لحظة انفرد فيها الفيل بحانوت الخزف ليحطم مشاريع نهضتنا. أم لأن أدباءهم توصلوا إلى «الواقعية السحرية» ، تلك الحيلة العظيمة التى فتنت القراء ، وأدهشت النقاد ، ولامست تراث الشعوب. أم أن كُتَابهم أدركوا مبكرا أهمية المسئولية التى يجب أن يتحملوها ، فشاطروا مجتمعاتهم أشواق الحرية ، وشنوا حملة على الدكتاتوريين فى أوسع هجمة أدبية على حكام فاسدين فى تاريخ الإنسانية.
يرى الدكتور حامد أبو أحمد أن الولع بأدب أمريكا اللاتينية فى العالم كله سببه أن الرواية فى منتصف القرن العشرين تراجعت فى أوروبا ، فأعادت الرواية اللاتينية إنتاج الإبداع الروائى بصوت حقيقى ومختلف ، ولم يخطئ «ماركيز» حين قال: «العقم الذى أحدثته الرواية الجديدة فى فرنسا أدى إلى ازدهار أدب أمريكا اللاتينية» ، الذى طرح تقنيات وموضوعات وقضايا جديدة ، ولفت تيار الواقعية السحرية الأنظار إلى الرواية فى أمريكا اللاتينية. ويضيف د. أبو أحمد:» لدينا روائيون مفتونون بكتاب أمريكا اللاتينية ، يتابعون ترجمة أعمال «ماريو بارجاس يوسا»، و«إيزابيل الليندى»، و«جورجى أمادو» وغيرهم لأنهم نجحوا فيما فشل فيه كتاب العرب. ويؤكد المترجم طلعت شاهين أن هناك مشتركات عديدة بين آدابنا وآدابهم ، من بينها الظروف التاريخية ، والأوضاع المأساوية التى عاشتها الشعوب فى فترات مختلفة من القمع ووأد الحريات وغيرها ، إضافة لأن دول أمريكا اللاتينية كانت فى عز ازدهار أدبها نامية تتطلع للحياة الأفضل ، وهو ما نعيشه الآن تحت الفقر والجهل والتخلف ، وبعض تلك الظروف يخلق أساطيره التاريخية والمعاصرة.
ويعتقد الدكتور عمار على حسن أن اهتمام المصريين بأدب أمريكا اللاتينية يعود إلى أربعة أسباب: الأول أنه أدب متميز قدم للعالم واقعية سحرية مبهرة كان من الطبيعى أن تخلب لب الإنسان الشرقى النازع بطبعه إلى الخيال والأسطورة ، والسبب الثانى أن هناك تأثرا وتناصا بين الأدب اللاتينى والأدب العربى لدرجة أننا نجد ظلالا كثيفة لآدابنا العربية فى النصوص التى يبدعها أدباء أمريكا اللاتينية ، فمثلا رواية «الخيميائى» للكاتب البرازيلى «باولو كويلهو» التى ترجمها بهاء طاهر باسم «ساحر الصحراء» تقوم فكرتها الأساسية على قصة من قصص ألف ليلة وليلة ، كذلك نجد أن الكثير من آداب العرب القديمة موجودة ــ بشكل أو بآخر ــ فى كثير مما أنتجه الأرجنتينى بورخيس ، والمسألة الثالثة أن السياق العام المحيط بالمنتج الأدبى فى أمريكا اللاتينية يشبه السياق فى بلادنا ، فالظروف التى يمر بها أبطال القصص والروايات هناك ــ كذلك وظائفهم وطبيعة أدوارهم ــ فى الحياة تشبه إلى حد كبير الشخصيات الموجودة فى واقعنا وحين نقرأ أدب أمريكا اللاتينية نشعر بأن مضمونه قريب من قلوبنا وعقولنا ، والسبب الرابع هو وجود أقسام اللغة الإسبانية بكليات الآداب والألسن وزيادة عدد المترجمين ، بالإضافة للمعاهد الثقافية الإسبانية.
عمر محمد ــ صاحب مكتبة عمر بوك ستور ــ يقول: «القراء يقبلون على الرواية اللاتينية أكثر من غيرها ؛ لأنها تشبع نهم القارئ أيا كانت توجهاته الفكرية ودوافعه النفسية للقراءة ، فما يريده القارئ يجده فى رواية لماركيز أو إيزابيل الليندى .. ربما كتبت لبيئة مختلفة تماما وجمهور بعيد عن الجمهور العربى ، والرواية اللاتينية تقول كل شئ تقريبا فى السياسة والدين ومشكلات الفرد اليومية والحب والكراهية والنفاق والغيرة والجنس ، وتطلعات الإنسان الخالدة إلى الكرامة والحرية. ويقول عمر: إن أدب أمريكا اللاتينية يتصدر قائمة المبيعات ، وهو عادة يحجز عددا كبيرا من نسخ الروايات الجديدة لمعرفته سلفا أنها ستنفد.
الأديب الشاب شريف عبدالمجيد يرى تشابها كبيرا بيننا وبينهم ، لكن الفرق أنهم نسجوها بخيال مبدع أغنى فضاء الرواية ، فانطلقت من (الأنا) إلى عوالم رحبة تمس الإنسان بفضل حساسية اللغة التى تراوحت بين العمق والحياة اليومية ، وتراوحت بين الأسطورة والحلم والتوثيق التاريخى ، والروائى اللاتينى استطاع أن يبنى عالمه بطريقة محكمة كى يجذب المتلقى منذ الكلمة الأولى فى الرواية حتى النقطة الأخيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق