Translate


الخميس، سبتمبر 24، 2009

دراما في رمضان

كتب عبدالدائم السلامي


ما الذي دفعَ الفضائياتِ العربيّة إلى جَرِّ المُشاهدِ إلى جِنَانِ التاريخِ وجُنونِ الواقعِ بحَلَقاتِ مُسَلْسلاتِها التي تأكل من الفَرْدِ وقتَه الفيزيائيَّ وتُبْحِرُ به في زمنِ التخييلِ وتُغْرِقُه في الضَّحِكِ عليه؟
هل المواطن العربيّ بلغَ مرحلةً من الرّفاه الاجتماعيِّ حتى صارَ يحتاجُ تسليةً تأتيه عبرَ سلاسِلَ من المُسلسلات تُكبِّلُه إلى الأرضِ في شهر رمضانَ وتمنعُه الحركةَ والسعيَ لتحقيقِ مقاصِدِه الدُّنيويّةِ في زمن أزمة عالميّة خانقة؟ أليسَت المُسلسلاتُ فعلاً تَمثيليًّا يقوم على الإيهام بصدقيّةِ أحداثِ التاريخِ في شيءٍ من الترغيبِ في تناسي الواقعِ؟ أَلاَ يُعدُّ التمثيلُ في الفضائيات تمثيلاً على المُشاهِدِ وتغييبِ الحقيقةِ عنه؟ هل يجوز القولُ بأنّ المشرفين على فضائياتِنا العربيّة يتوفَّرون على حُبٍّ جَمٍّ لمواطنيهم جعلَهم يقدِّمون لهم وجبات فنيّةً تذُرُّ الرَّمادَ على جروحِ جيوبِهم في شهر ارتفعتْ فيه حتّى حرارةُ الأرضِ؟ ونُضيفُ ألاَ تُعدُّ رِغبةُ أصحابِ المُسلسلاتِ في “إضحاكِ” المُشاهدِ تصريحًا منهم بأنّ أيّامَ المتفرِّجِ من المواطنين العرب لا تزيدُ عن كونِها بُكائياتٍ مُرَّةً؟
الظّاهرُ أنّ أغلبَ أحوالِ المَشْهدِ الثقافيِّ العربيِّ راحتْ تَسيرُ بخُطًى سريعةٍ نحوَ الخَلْفِ، تُمجِّدُ السَّلَفَ في انتصاراتِه العسكريّةِ وفي إبداعاتِه الفكريّةِ وفي أفهوماتِه الحضاريّةِ التي قطعتْ مع السّائدِ وأسّستْ لوَعيٍ بالكونِ جديدٍ. وهو سيرٌ تجلّى فيه عُزوفٌ من الفاعِلين الثقافيّين العرب عن تحليلِ وقائع الواقعِ وفكِّ شيفراتِ المسكوتِ عنه من أحلامِ الناسِ المكبوتَةِ بفعلِ الحياءِ الذي تصنعُه المؤسّساتُ الأخلاقيّة والسياسيّةُ. وإنَّنا نرى المُواطنَ العربيَّ، وهو في حاله العربيّةِ الراهنةِ، كائنًا تاريخيًّا بامتيازٍ، مثمولاً حينًا، خَدِرًا حينًا آخرَ، غافيًا دومًا عن التفكُّرِ في حاجاتِه إغفاءةً مزمنةً مثل تلك التي وَصَفَها المعرّي في رسالتِه بقولِه “غفوتُ إغفاءةً طويلةً لا عِلْمَ لي بمَداها ولا بما وقع لي فيها، ثم صحوتُ فرأيتُ نفسي في صحراءٍ مَدَّ البصرِ مكتظةٍ بأنواعٍ من الخلق لا أحصيهم عدداً، فعلمتُ أني بُعِثْتُ، وإنه يومُ القيامة، فساورني من الهَمِّ ما ساورني حين ذكرت أنَّ مقدارَه ألفُ سنة من سِنِيِّ القيامة”.
كان يُمْكِنُ للمُشاهِدِ العربيِّ أن يجعلَ من أغلبِ ما تَبُثُّ الفضائياتُ في شهرِ رمضان الكريم إعلانًا عن قِيامةٍ مَّا في الأرضِ: قيامةٍ اجتماعيّةٍ يُحاسِبُ فيها مَنْ دفعوا به إلى تجميدِ جسده ومنعوهُ السعيَ في الأرضِ بما ينفعُ مجتمعَه، وقيامةٍ سياسيّةٍ يُحاسِبُ فيها مَنْ تخلّوا عن قولِ الحقِّ لمّا تعاظَمَ الباطِلُ في نشراتِ الأنباءِ، وقيامةٍ أخلاقيّةٍ يَحشُرُ فيها الذين اقترَفُوا جرائمَ صَمْتٍ في حقِّ حاجاتِ روحِه وفكرِه ومستقبَلِه ويوصي بهم زبانيةَ النّارِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق