Translate


الخميس، فبراير 21، 2013

إنهيار ثالث أكبر سوق أسهم في العالم


في عام 1973م بدأت هذه الأزمة بالتزامن مع الحرب بين العرب وإسرائيل حيث أخذت دخول الدول النفطية بالصعود على نحو غير مسبوق، وعلى رأسهم الكويت، تلك الدولة الصغيرة التي أصبحت مضرب المثل بعد ذلك في الثروة والغنى، نظرا لضخامة إيراداتها النفطية مقارنة بحجم سكانها الصغير، الأمر الذي أدى إلى تراكم ثروات الأفراد بصورة كبيرة، نتيجة لذلك أخذت عمليات المضاربة من جانب المستثمرين في التصاعد لدرجة أدت إلى تعرض سوق الأوراق المالية لهزات في 1976 - 1977، واضطرت الحكومة إلى التدخل بعمليات شراء للأسهم إنقاذا للموقف، كما قامت في ذلك الوقت بإيقاف تأسيس الشركات المساهمة للحد من عمليات المضاربة على الأسهم.
أدى هذا التصرف من قبل الحكومة إلى رفع ميل المواطنين بشكل أكبر نحو المضاربة في سوق الأوراق المالية، طالما أن الحكومة مستعدة أو يمكن إجبارها على إبداء الاستعداد اللازم للتدخل باستخدام المال العام لإنقاذ الجميع في حال انهيار السوق، كان قرار وقف إنشاء الشركات المساهمة في غاية الغرابة، إذ يفترض أن الشركات المساهمة تنشأ أساسا كي تمارس نشاطا اقتصاديا، لكي تتداول أوراقها لأغراض المضاربة في السوق، ومن ثم فإنه يفترض أن يتم إنشاء الشركات في أي وقت طالما سنحت الفرصة لممارسة نشاط إنتاجي معين، أو لتوسيع نطاق شركات قائمة على شكل شركات مساهمة، وفي الوقت الذي أخذت فيه الثروات تتدفق إلى جيوب المواطنين صدر قرار إيقاف إنشاء الشركات المساهمة، وهو ما أدى إلى ندرة في الأصول المعروضة للاستثمار أو بالأحرى المضاربة.
كان هوس الذهب الذي بلغ قمته عام 1980 قد انتهى، وفي ظل هذه الظروف أصبح من الضروري البحث عن أدوات لاستثمار هذه المدخرات المتراكمة لدى الأفراد، وتفتقت أذهان المضاربين عن حل شيطاني لهذه المشكلة، وهو إنشاء الشركات المساهمة، ونتيجة لذلك انتشرت عمليات إنشاء الشركات المقفلة بقائمة أسماء تتكرر في كل مرة تقريبا بهدف توفير مزيد من الورق الذي يتحول إلى ملايين في أرصدة المضاربين في سوق المناخ، كما أدت أمثال هذه الحلول إلى توفير الأوراق اللازمة للمضاربة، بغض النظر عن مدى قانونية عملية تداولها من جانب، وتمكين المستثمرين من تحقيق ثروات خيالية وتكثفت عمليات جلب الأسهم من البحرين والإمارات، فضلا عن إنشاء شركات في الإمارات الفقيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وجلب أسهمها للمضاربين في الكويت، وزادت عملية إنشاء الشركات المقفلة التي كانت في معظم الأحيان لا تزال حبرا على ورق عند تداول أسهمها في السوق. ولتوفير الأموال اللازمة للمضاربة استخدمت السوق نوعا جديدا من التمويل الشخصي يقوم على استخدام ما يسمى الشيكات الآجلة، التي شاع قبولها في العرف الكويتي، وذلك لسداد قيمة الأسهم التي يتم شراؤها، ولم تكن هذه الشيكات تتطلب إثباتا من كاتب الشيك بأن لديه رصيدا كافيا في البنك يكفي لسداد قيمة الشيك، وهو ما يمكن أن يعد من الناحية القانونية جريمة تزوير شيكات، إذا لم يكن هناك رصيد كاف في حساب محرر الشيك عند تقديمه للصرف، كان الموضوع كله يقوم على التوقعات بأنه مع استحقاق موعد سداد الشيك ستكون قيمة الأسهم قد ارتفعت عدة مرات، وهو ما يمكن المضارب من بيعها نقدا أو بشيكات مرة أخرى، ومن ثم لن تكون هناك مشكلة في توفير رصيد كاف في حساب محرر الشيك طالما أن الأمور تسير بشكل طبيعي، ونظرا لأن هذا النوع من التمويل غير مكلف للمضارب فلم يكن هناك ما يمنع أي شخص من دفع أي ثمن للأسهم طالما أن السداد سيتم لاحقا. جذب هذا النوع من التمويل الطامعين في تكوين الثروة، حيث كان كل المطلوب من المشتري هو مجرد توقيع على شيك بثمن الأسهم، ثم متابعة الأسعار ترتفع في البورصة حتى يحين الوقت المناسب للبيع، ومع سهولة توفير وقود المضاربة أخذت أسعار الأسهم في الارتفاع إلى مستويات خيالية، ما جذب مزيدا من المضاربين إلى السوق خصوصا الذين لديهم خبرة قليلة في التعامل في الأسهم والراغبين فقط في وضع أيديهم على أي أسهم يجدونها في السوق. واستطاع جنون المضاربة إدخال النظام المصرفي في الفقاعة حيث أخذت البنوك في تقديم التسهيلات الائتمانية في صورة سحب على المكشوف، أو تقديم قروض بضمانات شخصية أو بلا ضمانات أو بضمان الشيكات الآجلة، وكذلك قبول عمليات خصم الشيكات لشراء الأسهم، وهو ما أدى إلى توفير السيولة اللازمة للمضاربين في السوق، أكثر من ذلك قامت شركات الصرافة بتمويل عمليات الشراء والمساهمة في خصم الشيكات، وفي بعض الأحيان كانت السيولة تأتي من الخارج، مقارنة بالسوق الرسمية اكتسبت سوق المناخ شعبية طاغية،حيث يمكن أن يضاعف المرء أمواله في غضون أشهر قليلة، مع تحول السوق إلى ما يشبه كازينو للقمار منه إلى سوق لتداول الأوراق المالية، كان الجميع يردد أنه لا خاسر في هذه السوق، لدرجة أنه لم تكن هناك أسرة كويتية إلا وتعاملت في السوق أو ارتبطت بها. ترتب على الكميات الضخمة جدا من النقود التي تم ضخها في السوق خلق توسع جنوني في عمليات التمويل غير المنظم وبالتالي في نفخ بالون ضخم جدا لأسعار الأسهم، ففي عام 1982 ارتفعت القيمة الرأسمالية للأسهم في السوق الكويتية ن خمسة مليارات إلى 100 مليار دولار في غضون عدة أشهر، وهو ما أدى إلى حول سوق الأوراق المالية في الكويت في أوائل الثمانينيات، إلى ثالث أكبر سوق أسهم في العالم من حيث القيمة الرأسمالية أو عدد الأسهم التي يتم داولها فيها. حيث تجاوزت القيمة الرأسمالية للأسهم المتداولة في سوق لمناخ وسوق الكويت للأوراق المالية القيمة الرأسمالية لمعظم الأسواق المالية في أقوى اقتصاديات العالم، باستثناء بورصة وول ستريت وبورصة طوكيو، أي كانت أكبر من أسواق المملكة المتحدة وجميع الأسواق المسجلة في هذا الوقت على أنها أسواق دولية.
مع الارتفاع الخرافي في الأسعار ازداد استعداد عدد أكبر من المضاربين لتحرير شيكات آجلة، وكلهم ثقة بأنه مع حلول أجل السداد ستكون أسعار الأسهم قد ارتفعت عدة مرات، ومع تراكم الشيكات الآجلة في يد المضاربين بدأت تظهر الابتكارات المالية، وذلك باستخدام هذه الأسهم رهنا في مقابل الاقتراض الإضافي للمضاربة على الأسهم، كما قام البعض الآخر بخصم هذه الشيكات للحصول على الكاش لاستخدامه في المضاربة، وارتفعت معدلات الفائدة على المارجن في السوق إلى نسبة 100 % سنويا وأكثر من ذلك في بعض الحالات. لم يكن أحدا ينظر إلى سعر أي سهم مهما بلغ، على أنه سعر مبالغ فيه، كما لم يكن أحد ينظر إلى السوق على أنها قابلة للسقوط، والحكومة لن تسمح بمثل هذا الانهيار، بمثل هذه الخرافات كان الجميع يعمل في السوق. شهدت سوق المناخ أعظم هوس للمضاربة في التاريخ حتى اليوم، وأخذ الجميع يتساءل عن مستقبل هذه السوق واستدامتها، فقبل انفجار الفقاعة كان الأسعار تتضاعف بسرعة قياسية، حيث كانت أسعار الأسهم ترتفع ما بين 20 % إلى 50 % شهريا في المتوسط، وفي بعض الأحيان بنسبة 100 % يوميا في بعض الحالات. جاء انهيار السوق من دون أي إنذار ولا أسباب أخرى غير ارتفاع الأسعار، ففي أغسطس 1982 تم تقديم شيك مؤجل مسحوب على الفارس الرئيس في السوق، فلم تجد صاحبة الشيك رصيدا في حسابه، وتم اكتشاف أنه غير قادر على دفع قيمة ديونه الضخمة جدا، وسرت الأخبار في السوق بسرعة البرق، وفي لحظات بدأت تنهار قواعد السوق القائم على نظام التمويل الهش، حيث كان هبوط الاسعار كاسحا لثروات المضاربين فيها، وتحول مئات المضاربين من مليونيرات إلى مفلسين بانفجار فقاعة الورق، وعاد الجميع إلى حجمه الطبيعي، وأغلقت السوق في هدوء، لتبدأ معاناة الكويت مع إفرازات السوق. وعندما طلبت وزارة المالية تحويل الشيكات الآجلة كي تتم تسويتها، كان هناك 29 ألف شيك آجل، بقيمة تصل إلى 94 مليار دولار، على أكثر من ستة آلاف مضارب، وهو رقم يفوق العجز المالي للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا في هذه السنة، بل إن الشيكات المحررة بواسطة ثمانية من أكبر المضاربين بلغت قيمتها 55 مليار دولار، وهو رقم يساوي ضعفي احتياطيات المملكة في عام 1980، اهتز القطاع المالي وكذلك الاقتصاد الكويتي لاندلاع الأزمة، وكانت كل البنوك تقريبا على حافة الانهيار بسبب عمليات الإقراض الكبيرة التي تمت للمتعاملين الذين أصبحوا جميعا غير قادرين على سداد قروضهم.
وفي النهاية شهد التاريخ أن فقاعة المناخ هي بكل المقاييس أكبر فقاعة انفجرت قياسا بحجم الاقتصاد وعدد سكانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق