Translate


السبت، سبتمبر 22، 2012

مشيمة الرماد - غالية خوجة

الموسيقا تتكسر ... الموسيقا تشتعل لنبدأ من جديد .. و " نينوى " سؤال يعبر من حدائق بابل إلى رنين المشهد ، حيث البحر جنين يولد من الموج ويلد موجات و أغنيات وجراحات وصباحات .. على شاطئ السيمفونية المقابل ، يتلوّى الجنين بين سِـفر الصمت و رماد الملاحم. ومن مكان ما من الموسيقا ، من مكان ما من الزمان ، تشع شجرة زيتون عملاقة.
أجراس ضبابها تجلجل فتندلع النجوم. حُـلـْـمَـئِـذ ٍ ، رأيت ُ القمر يطلع من جوف الشجرة ، فتهيج التنانين ، تنفث سوادها ، وتضرب بأذيالها ، فتشتبك نيرانها ويأكل بعضها بعضاً. يعجّ الدخان ويتكسر .. البحر حكاية قديمة للنار. وأنا ما زلت جنيناً يسبح بين الأرواح والعماء والجراح. أمي تمسد بطنها هامسة:
ـ متى سأراك يا حبيبتي ؟ كم أتمنى أن ألدك الآن .. كأنها تمضي إلى المدرسة. الصقيع لم يمنع الطالبات من الحضور. والصباح المبلل بالمطر يحث على الحركة و الكلام. لا تعجبني أجواء الضجيج. أنطوي على بعضي و أغفو ، فأرى جدتي تجلس مع جارتها فداء. تكحّ آمنة وهي تقول:
ـ لم يتراكم الثلج عندنا منذ ثلجة الأربعينيات. أ تذكرينها ؟
استمر الثلج أربعين يوماً. هل كان إشارة تحذيرية من السماء؟ ترشف فداء رشفة شاي و تجيب:
ـ يا رب ، وحدك قادر على إسقاط الثلج ، ووحدك قادر على إرسال طيور الأبابيل. جدتي آمنة تتنهد رافعة كفيها إلى الله:
ـ آمين يا رب العالمين ، أرسلْ عليهم حجارة من سجيل. هل كانت جدتي تعلم أن الطيور ستكسر قشور بيضها و تنطلق لتزوّج النجمة و القمر؟ سيحدث أن تزغرد الحقول المسبية ، وترتجف الغيوم التي رأتنا منذ أكثر من نصف قرن ونحن نـُموّت و نـُرحّـل. ولن ينسى العالم كيف حوصرنا ! كيف اعتقلوا الكثيرين ! و كيف قتلوا الأكثر ! و كيف طردونا من بيوتنا ، أو هدموها علينا ! و كيف يغتالوننا ! وكيف .. وملايين من كيف و لماذا و إلى متى ؟ رائحة الطباشير تجبر أمي على السعال ، فأسبح متكورة   على نفسي ، شاردة ً خارج أفق التوقعات ، لكنني كيف ما استدرت أرى المجازر ، الاعتقالات ، التعذيب ، تكسير عظام الأحياء ، القتل ، القصف ، حظر التجول ، الإبادة .... آه ، جنون لم يعرفه العالم في أبشع الحروب .. أين المنظمات الإنسانية ؟ هل الجميع مصاب بالصمم و البكم و العمى ؟ ألا تشهد على ذلك صبرا ؟ وشاتيلا ؟ وقانا ؟ ومدرسة بحر البقر ؟ والقنيطرة ؟ وجنين ؟ وغزة ؟ ورام الله ؟ والبيرة ؟ ونابلس ؟ والحرم الإبراهيمي ؟ وكنيسة بيت لحم ؟ ومسجد القبة الخضراء ؟ وبغداد ؟ و ... و ... ؟ العالم مصحة كبيرة بلا أطباء نفسيين. آه ، أي جنون ؟ صداعي جبال جليدية تتكسر .. تـَـ ـتـَ ـكـَـسْـسَــر ... شذرات الجليد الكبيرة سفن تحترق .. والرماد سمندل يغوي الأبجدية .. أشعر بملاك أخضر يسبح معي. أميل إلى اليمين فيميل مثلي. أفتح ذراعيّ فيفتح أجنحته الشفافة.
أضع وجهي أمام وجهه فأرى عينين دامعتين. أبتسم فيبتسم. أصفعه كفـّـاً فيرتجّ خدّي. أنزوي في مكان قريب من سُـرّة أمي فينزوي كظلي. أجدني أخرج عن القصة سائلة ً النار الكاتبة: ـ ألا يكفيني ما أنا فيه ؟ مَنْ هذا الظليل ؟ بجناحه الأخضر يدير الملاك وجهي إليه مجيباً :
ـ أنا روحك أو مرآة نفسك . سمّـني ماشئت.
المياه البدئية ترفرف ، تلتهب .. المياه البدئية تتكسر .. فتتناثر بلـّـورات الصمت. يتناثر زجاج الصوت. تتناثر أشلاء الأزمنة. يتناثر شتات الأمكنة. تتناثر الأسئلة وكسرات الجليد وأجنحة اللهب والرماد. أخمّـن أنني غبتُ عن الوعي. وهناك ... ، في دوامات اللا شعور ، أراني ملاكاً أخضر لم تصوره الكاميرات التلفزيونية وهو يرفرف مع الدماء: هدير دبابات ومجنزرات. قصف صاروخي ومدفعي. هدير طائرات وقنابل ... وأبشع من الموت موت يأتي و لا يأتي. المباني المحترقة و المهدمة تسكن كبصمة متفحمة تتبخر منها بصمات الأرواح لتتشكـّـل ورداً لا يذبل. طفلة ممزقة الثياب و الطفولة والوجود تفتش بين الأنقاض عن أهلها. خصلة شعر أمها المحترقة تميل بين الصخور. أجزاء من رأس أبيها تذروها الرياح. عظام إخوتها مدفونة تحت الحجارة. لعبتها الميتة تركت ذراعاً بلاستيكياً مسودّاً منكمشاً. الليالي ، هنا ، بيضاء من نيرانهم وموتنا. والزمن أسود. فاطمة تولول فوق الأنقاض. ترمي نفسها على المتبقي من أهلها:
ـ ماما ، بابا ، مريم. يمّـا اااا ...
عيونها تجحظ .. وأصابعها تقبض على خصلة شعر وشظايا عظام. صوتها يتعثر بالرميم ، فيغشى على الفضاء وتدوخ السماء. ومن دوامة يحترق فيها الزمن ، يمر خالد شاحباً. هو أيضاً ، يبحث عن بقاياهم ، صائحاً ، مولولا ً:
ـ ماما ، ستـّـي ، ماما ، ردّي عليّ يمّـا .. مرة واحدة فقط ردّي عليّ .. الرميم والرماد والدم المحروق والأذرع المتفرقة والعيون الميتة والطوب المكسر ، ككل شيء ، كلهم يرددون وراء فاطمة وخالد:
ـ ما.. ما .. با .. با .. ستـّـي ، يمـّـا ااااااا .. وأصواتنا الراحلة إليهم ، اصواتنا المتبقية فينا وفيهم ، تردد معهم: ـ يمّـا ، يا يمّـاي .. ماما ، بابا ، ستـّـي .. يمّـا ااااا يفتش خالد المكان لعله يجد أصواتهم ، وحين يلمح جسداً سليماً ملقى بين الركام ، يمسح دموعه وأنفه بكمّـه ويركض ، يركض .. يتعثر ويسقط .. لا يأبه بالخدوش و الجروح ويركض .. وحين يصل يرى فاطمة ساكنة تماماً فيصفعها على وجهها لتستفيق فلا تستجيب .. المدى الأحمر يدير وجهه لجهة أخرى تاركاً خالداً يباعد شيئاً من الأنقاض ليدفن الصغيرة. رعشة الموت تسري في الكون بسرعة الضوء وربما أسرع .. ترتجف الجبال صائحة:
ـ في البدء كان الله .. أنتم ، مثلي ، تسمعون الصيحة. وأنا ، مثلكم ، رأيت ما يتحرك في عيون فاطمة و خالد:
مخيم " جـِنين " المحذوف ، المتدحرج إلى الموت كما يتدحرج العدم إلى الوجود. أبرياء عطشوا فشربوا من مياه المجاري. أبرياء مرضى بالقلب والسكري والضغط والكلى. أبرياء طرق الجنود المحتلون أبوابهم وأجسادهم بالرصاص فسالت أرواحهم على الجدران والأرائك والأرض وشاشات التلفزة. قوات الاحتلال ثقبت بطون الحوامل ورؤوس الأطفال والرجال والنساء والعجائز والشجر وأرواح المشاهدين. أناس بلا ذخيرة ولا طعام ولا ماء ، يدعون الله بأنفاسهم الأخيرة بينما الصهاينة يفتكون بهم بأحدث الأسلحة. حينها ، وتحديداً ، في اليوم العاشر من حصار وقصف جنين ، لم يقبل " يوسف أحمد ريحان" فكرة أصدقائه:
ـ البسْ زيّ امرأة و غادر ، نرجوك يا " أبا جندل. " ـ لن أترك المخيم أتفهمون ؟ وصرخ ثانية وألفاً:
ـ لن أهرب ، لن أهرب ، لن .. يصرخ فتنبت كل صرخة شجرة برتقال في تل الزعتر. يصرخ ، ومثل الكثيرين ، يظل يقاتل بجسده المتحرك من وراء جدار إلى سطح بيت إلى زقاق صامت مذهول. يرمي حجراً ، يرمي روحه ، يرمي اللعنات عليهم وعليهم .. يقرأ سورة " الأنفال " .. يشتبك معهم فيركلونه بأحذيتهم و أسلحتهم .. الوطن المستوطن في الروح ينزف ويصارع ، يدافع وينزف .. ومثل جمرة متمردة يعتقلونه مع من اعتقلوا ، ثم يرمونه بالرصاص مع من رموا ..
النزيف. النزيف
بلورات تحلم بالضوء. ورمادها أبجدية ستفرد أجنحتها الملونة. هي لا تشكّ بأن النهار ، قريباً ، سيمر من هنا. النهار ، بعد نار ، يمر من هنا .. فاطمة ترفرف بروحها متملصة من جسدها الذي صار سنبلة لا يعرفها الفناء. قد يظن العابر أنها سنبلة محنطة من أيام الفراعنة ، خرجتْ من هرم " خوفو " لترى الحياة الثانية المنقوشة على الجدران ، أو المنشودة في " كتاب الموتى. " سيحدث أن تصبح السماء ذهبية لأربعين يوماً كلما صادفت لحظة ُ موت فاطمة تاريخ َ الأرض.
السنبلة رأت جثة جدي " محمد " مع جثة " محمود طوالبة " مع جثث شهداء آخرين تنشطر في الهواء بين الرماد والشظايا والأصوات والصمت المتكسر بيوتاً ، أرواحاً ، أمهات ، شباناً ، أطفالاً ، صحوناً ، أوراقاً ، جثثاً تحلم بعد موتها بمدفن يستر عراءها و يشهد على مذابحهم. ما زالت كل جثة تشارك بقية الشهداء في الدفاع بأجزائها السفلية المقطعة. وأجزائها العلوية المحترقة. ولا دليل على فتات الملامح سوى بندقية قديمة هنا ، وساق هناك ، وجمجمة مهشمة لم تكن هنا أو هناك .. دموع السنبلة تسيل من مخيم جنين المدمر إلى خيام نصبت حديثاً على أرض مجاورة سموها "مخيم العودة ". ستصير الدموع سرواً وصفصافاً وزيتوناً وصنوبراً وزيزفوناً ، وتصير جبالاً تتقافز ، وزوابع نيران تدور ، تدور ...
السنبلة ترفع رأسها من بين حبال الغسيل المشتبكة مع القماش الممزق مع بقايا الأبواب والنوافذ والألعاب والأجساد والرماد والطوب والأغصان والزجاج ، مع بقايا صرخات الرعب والموت و الاستغاثة ، مع صوت السماء الذهبية:
ـ يا أرواحنا الطاهرة لا ، لا .. تتخلي عن جمالك. من بين الأنقاض ، فجأة ، تظهر غابات من فراشات ونجوم وفصول. مروحياتهم " الأباتشي " و دباباتهم " المركافاه " و صواريخهم الذكية المحمومة تتجه برعب إلى الفراشات والنجوم والفصول وتقصف ، تقصف ، وتقصف .. الدويّ يتكسّــر .. و آثار نابلس تصيح:
ـ منذ ثلاثة آلاف عام وأنا أقرأ عليكم أنفاس الأجداد. حجارة بواباتي وأزقتي ومساكني كتبٌ مطوية. بين حروفها أعشاب قديمة وأزمنة متكلسة وأنفاس بشر مروا متحدثين عن " هوميروس " و " جلجامش " و " موسى " و " محمد " صلى الله عليه و سلم. بين كلماتي ما زالت ترنّ خطوات عيسى عليه السلام فتتوهج الأجراس وتشع المغارة. تخشع الآثار مع نبضات المدائن مع أصواتنا البيضاء مع ذاكرة الصخرة وهي تتلو: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بـاركنا حوله لنريه من ءايـتنا إنه هو السميع البصير. " أتكـوّرُ في الرحم الأزلي شاردة ً في أسئلة الدم والعدم .. القصة تتكور مثلي. فنحدق في بعضنا المرئي وبعضنا اللا مرئي ، وبغتة ، كائن من نور ملائكي يعبر الفضاء فاتحاً عباءته الزرقاء على جراح المعنى والمكان والزمان.
لو كان ملاكي الأخضر لما ارتعشت الرسوم المنقوشة على جدران جميع الكنائس. صوته الطاهر يملأ الكون:
ـ سينصركم الله كما نصرني وابني. الصوت رياح راعفة ، وراءها ، تقشعرّ الأزمنة. وأحداقها تسكب دموعاً تصير أنهاراً تتخذ مسالكها في الأرض لتقدم للبشر الحياة. وراء الحياة الراجفة ، العذراء عليها السلام تبسط ذراعيها في الهواء ، فيهطل الياسمين الأحمر والأبيض والأزرق على فلسطين. الملائكة تنثر الياسمين الملون ، فتبدو المدائن لوحة فسيفسائية معلقة بأعمدة نورانية تسحبها إلى الأعلى .. لو رآها " مايكل أنجلو " أو " بيكاسو " أو " ليوناردو دافنشي " أو غيرهم ، لما استطاع أي منهم أن يعبّـر عن ميلانها التجريدي المرتعش بأحوال صوفية و سوريالية. فلسطين ترتفع .. وعلى الأرض ، لا نرى سوى ظلالها تساند المدافعين عنها وهم يقاومون بعبوة ناسفة أو سكين أو حجر أو جسد. دباباتهم تتقدم قاطعة الأرواح والكهرباء والأوكسجين. طائراتهم ، وصواريخهم ، تقصف مياهي البدئية .. أنزوي في أحوالي. دمائي تتملص من النيران. ودموعي تحفر في مشيمة الكلمات زمناً من انفجار وياسمين وجلنار. تصطلم الحكاية. الشعلة الجالسة في أعماق الظلمات ترتفع شجرة ً من أرواح مضيئة. في كل لهب من ألهبتها يتلألأ وجه شهيد أو شهيدة " منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر." لا أتوقع كيف كان الفنان " مصطفى الحلاج " سيرسم هذه الشعلة:
هل بموته الذي صار لوناً في لوحاته ؟ أم بإيقاع اللحن الموسيقي الأول لـ " نينوى " ؟ موجة من نار ودوار تلتف عليّ حبلا ً سريّـاً. النار سيمفونية محمومة باللهب تتساءل:
ـ كيف يبيحون لأنفسهم التدخل في شؤون الدول الأخرى ؟ في استقلالها ؟ في حكامها ؟ في طريقة دفاع شعبها عن روحه وأرضه وماله وأجداده وهويته ؟ أ لم يشعروا أنهم حولوا الحرية التي يتبجحون بها إلى قناع يلونونه في عيد البربارة ، عفواً ، في عيد المبكى .. عفواً ، في كل مجزرة تفتح شهيتهم على الرقص فوق أشلائنا ؟ ماذا لو أن إسرائيل احتلت أمريكا ؟ وحين ستقاوم أمريكا المغتصب بالحجارة هل سترضى بأن يقال عنها " إرهابية " ؟
الأقنعة التنكرية تتناثر كالزبد و تسقط في النار .. أدوخ مع الموت ، فأبتعد إلى خاصرة أمي اليمنى علـّـني أحظى بشيء من الاطمئنان .. ملاكي الأخضر يهدهدني ، لكنّ الموت الذي يرقص بيني وبيني يقول:
- بعد الاجتياح الكبير ، وجدوا ما تبقى من جثث الشهداء مليئاً بياسمين أزرق وأحمر وبنفسجي. عرائش الياسمين أثارت جنون الإسرائيليين ، فوجهوا رشاشات مدافعهم وطائراتهم ومصفحاتهم على الجثث المزهرة ، على الأشجار والغيوم والبحار .. الجميع رأى أصابع مضيئة ترفع الأرواحَ إلى ضباب أخضر ، أخضر .. هناك في الأعالي ، الأرواح طيور بيضاء وحمراء وفضية وزرقاء وخضراء وذهبية ترتفع غير مكترثة باحتجازهم للحياة و الموت .. وهنا ، في فلسطين ، القبور ممنوعة عن الأموات ! وسيارات الإسعاف ممنوعة من الدخول ! والبعثات الإعلامية ممنوعة من مغادرة الفنادق .. ! أتبعثر .. أشتعل .. أتشظى في أحوالي وأسعل مع الموت من الدخان .. سيحدث أن: يفقد النبي المنتظر صبره على هذه المجازر المجنونة ، فيهبط من الأعالي الزرقاء مخلـّـصاً ومصلـّـياً في الأقصى. سيحدث أن تمحو جراح الياسمين عن الليل العتمة َ و تضيء في " بيت لحم " و " مدن الخضر" و " بيت جالا " و مخيمات " الدهيشة " و " عايدة " و " العزة .. " تضيء .. ، وتضيء كأنها النجمة المتعبدة في المغارة لحظة فاجأ مريم " عليها السلام " المخاض. أتلوّى في مياه الرحم لاكزة ً أمي.
روحي تؤلمني و هي تختلط مع أنين جدتي " آمنة " مع أصوات الدمار مع نشيج فاطمة وخالد مع صمت محفور على الضباب مع أرواح منقوشة على الدخان والماء والنار. قذيفة هائلة تسقط ، فأتدحرج وأفتح عينيّ راكلة ً أمي بقوة أكثر. من بين الشظايا يتلألأ صوت جدتي نشيجاً قديماً جديداً: يا رايحين ع َ جـِـنين نعشـي معـاكـم راح يا محمّــلين الحنـــين فـوق الحنين جراح كل ميـن نزيفـو معـو و انـا رمــادي راح يا ربـي نسمـة هَـــوا تعيد الهوى للـروح .. قذيفة هائلة تسقط ، فأتلوّى بين أشلائي و .. أتشكل من جديد .. اللهب زنار حنون .. والسماء تسحب من جسدي ملاكي الأخضر محلقة به بين الرَوْح والريحان والرياحين إلى أعلى و أعلى ، وأعلى .. أظنني غفوت مبتسمة ً كزمن لا يفنى .. سمعت صوتاً مجهولاً يزغرد قائلاً : ـ بيننا و بين النصر كلمة سرية .. النصر هو أن يكون كل منا " عمر بن الخطاب " و " صلاح الدين " و " عز الدين القسام .. " الأصوات الزرقاء تردد:  
ـ بيننا و بين النصر حلم أحمر و ملاك أخضر. الأصوات تتلاطم في مشيمة الرماد .. هل حركت شفتيّ لأقول شيئاً ؟ ربما ... لكنني نسيت ما سأحكيه. اعذروني ، فطعم ماء الحياة لذيذ وهو يرويني من كأس ذهبي. كل شيء سيتغير .. لا الليل سرمد ولا النهار .. العتمة مولوجة في الضوء ، والضوء مولوج في العتمة .. الجحيم يتكسر .. والشمس والقمر سيلتقيان .. فبأي نهار للنهار أيها الإنس والجن تـُـكذبان ؟ .. 

غالية خوجة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق