Translate


السبت، أكتوبر 09، 2010

حوار مع الصمت..!




زمجر الصمت في وجهي، فالتصق بصري طويلاً بزاوية السقف وأنا متكئ على حافة سريري، يسري بكوعي تنميل شديد، فرأسي الثقيل محمل عليه، أعتدل.. أشعر بألمٍ أشد.. بيدي الأخرى أدعك ذراعي فتنفرد رويدا..
أتمطى وأتثاءب .. ألقي بظهري إلى المرتبة مرة أخرى .. لا صوت يؤنسني سوى أنين الصمت يحوطني متخبطاً في جدران بيتي كالسكير ..
أتململ، أذكرني طفلا أمام بيتنا يعجن التراب بالماء على الشاطئ، يحملني بين ذراعيه وحيداً، فأبني من الطين بيتا وأصنع حمارا وطفلا يركبه. ومن عيدان الخوص غيطاً مليئا بالشجر ..
حين يحضر الصبية للعب معي .. أصرخ في وجوههم، فيفرون وأبقى وحيداً .. بعدها بقليل .. يهاجمني الملل .. أهد البيت بقدمي وأقطع رقبة الحمار وألقي بالصغير إلى الماء، ثم أكسِّر أشجار الغيط. وألقيها في قلب الترعة خلف الطفل، حينها يهتز السكون عند ارتطامها بالماء وأعود وحيداً بلا أصدقاء ..
حين شببت .. زمجرتُ يوماً في وجهه، وصحبتها بين شجر الورد .. قدمت لها عقود الفل والياسمين .. ضحكنا بصوتٍ عالٍ وتشابكت أصابعنا .. داعبتنا الريح. وتساقطت أوراق الشجر فوق رؤوسنا ..
كدت أهجره ويبتعد .. أشعر بالنصر وأنا معها. ويشعرني بالهزيمة حين أخلو إلى نفسي، فتشق رسائلها شجوني .. أراقص صمتي بقلبٍ مشتعلٍ بالعشق، أتوحد بالمكان رويداً وخيالاتها ربما تعود؛ لكنها ذهبت بعيداً ولم تعد ..
أطبق عليّ من جديد .. عاد يضمني بين ذراعيه القويتين، فأستكين ولا أقاوم .. في خلوتي أسمعه بلا خيار ويسمعني مرغماً بلا حكيّ. وكأننا متعانقان بلا افتراق .. ورسائلها القديمة تعود إلى يديّ مراتٍ ومرات .. أكرر قراءتها .. أول كل رسالة باسم الحب "حبيبي ... وأخرها إلى اللقاء .. حين وصلت إلى الرسالة الأخيرة، كان أولها أحبك وأخرها وداعاَ ..
ينتابني شعور يدعوني إلى الضحك .. أحاول أن أقاومه، فلا أستطيع .. أقهقه بأعلى صوتي .. تنطلق ضحكاتي .. تصطدم بالجدران .. ثم لا تلبث أن ترتد إليّ سريعاً ..
يهزمني كعادته. ويعود ليفرد جناحيه على المكان مفاخراً، فتنسدل جفوني على دمعتين .. تحرقانه، فيهتز على النحيب؛ لكنه ما يزال يسكنني ..
أكور رسائلها بين يدي، وألقي بها رسالة بعد الأخرى عبر فراغ النافذة لعلها تصلها فتعود ..
وخزني بإصرار .. رحت أدير عينيّ في أركان البيت بلونها الرمادي الكئيب .. والضوء الباهت .. تحركت رويدا نحو الباب .. تحسسته في وخم وشددت المزلاج بقوة .. فانفتح عن آخره.
تضاءل الصمت .. شعرت بوحدتي رحت ألملم رسائلها المبعثرة على الطريق. وانطلق عائدا إليه من جديد ..

د/ ثروت عكاشة السنوسي - قصة قصيرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق